للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أى أطيعوا الله في كل ما أمركم به ونهاكم عنه، وأطيعوا الرسول الذي أرسله إليكم ربكم لهدايتكم وسعادتكم، لعلكم بهذه الطاعة تكونون في رحمة من الله، فهو القائل وقوله الحق إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ.

وفي ذكر طاعة الرسول صلّى الله عليه وسلّم مقترنة بطاعة الله- تعالى- تنبيه إلى أن طاعة الرسول طاعة الله.

فقد قال- تعالى- مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً «١» .

ثم أمرهم- سبحانه- بالمبادرة إلى الأعمال الصالحة التي توصلهم إلى مغفرة الله ورضوانه فقال: وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ.

قال الآلوسى: وسبب نزول هذه الآية على ما أخرجه عبد بن حميد وغيره عن عطاء بن أبى رباح: أن المسلمين قالوا: يا رسول الله. بنو إسرائيل كانوا أكرم على الله منا، كانوا إذا أذنب أحدهم ذنبا أصبحت كفارة ذنبه مكتوبة في عتبة داره اجدع أنفك، اجدع أذنك، افعل كذا وكذا فسكت صلّى الله عليه وسلّم فنزلت هذه الآيات إلى قوله وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً الآية فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم ألا أخبركم بخير من ذلكم ثم تلاها عليهم» «٢» .

وقوله: سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ من السرعة بمعنى المبادرة إلى الشيء بدون تأخير أو تردد. والكلام على حذف مضاف: أى سارعوا وبادروا إلى ما يوصلكم إلى ما به تظفرون بمغفرة ربكم ورحمته ورضوانه وجنته، بأن تقوموا بأداء ما كلفكم به من واجبات، وتنتهوا عما نهاكم عنه من محظورات.

ولقد قرأ نافع وابن عامر بغير واو، وهي قراءة أهل المدينة والشام. والباقون بالواو، وهي قراءة أهل مكة والعراق.

فمن قرأ بالواو، جعل قوله- تعالى- وَسارِعُوا، معطوفا على قوله وَأَطِيعُوا أى:

أطيعوا الله والرسول وسارعوا إلى مغفرة من ربكم.

ومن قرأ بغير واو جعل قوله «سارعوا» مستأنفا، إذ هو بمنزلة البيان أو بدل الاشتمال.

ومِنْ في قوله مِنْ رَبِّكُمْ ابتدائية، والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة للمغفرة أى مغفرة كائنة من ربكم..

ولقد عظم- سبحانه- بذلك شأن هذه المغفرة التي ينبغي طلبها بإسراع ومبادرة، بأن جاء بها منكرة، وبأن وصفها بأنها كائنة منه- سبحانه- هو الذي خلق الخلق بقدرته، ورباهم برعايته.


(١) سورة النساء الآية ٨٠.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٤ ص ٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>