يا رسول الله: قل لي قولا ينفعني وأقلل على لعل أعقله: فقال له: «لا تغضب» فأعاد عليه حتى أعاد عليه مرارا كل ذلك يقول: «لا تغضب» .
وعن أبى بن كعب أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:«من سره أن يشرف له البنيان وترفع له الدرجات فليعف عن من ظلمه ويعط من حرمه، ويصل من قطعه»«١» .
وكظم الغيظ والعفو عن الناس هاتان الصفتان إنما تكونان محمودتين عند ما تكون الإساءة متعلقة بذات الإنسان، أما إذا كانت الإساءة متعلقة بالدين بأن انتهك إنسان حرمة من حرمات الله ففي هذه الحالة يجب الغضب من أجل حرمات الله، ولا يصح العفو عمن انتهك هذه الحرمة.
فلقد وصفت السيدة عائشة النبي صلّى الله عليه وسلّم بأنه كان لا يغضب لنفسه فإذا انتهكت حرمات الله لم يقم لغضبه شيء.
وقوله: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ تذييل مقرر لمضمون ما قبله.
والإحسان معناه الإتقان والإجادة. وأل في المحسنين إما للجنس أى والله- تعالى- يحب كل محسن في قوله وعمله، ويكون هؤلاء الذين ذكر الله صفاتهم داخلين دخولا أوليا.
وإما أن تكون للعهد فيكون المعنى: والله- تعالى- يحب هؤلاء المحسنين الذين من صفاتهم أنهم ينفقون أموالهم في كل حال من أحوالهم، ويكظمون غيظهم، ويعفون عمن ظلمهم.
أما الصفة الرابعة من صفات هؤلاء المتقين فقد ذكرها- سبحانه- في قوله: وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ، وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ.
والفاحشة من الفحش وهو مجاوزة الحد في السوء. والمراد بها الفعلة البالغة في القبح كالزنا والسرقة وما يشبههما من الكبائر.
والمعنى: سارعوا أيها المؤمنون إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدها خالقكم- عز وجل- للمتقين الذين من صفاتهم أنهم ينفقون أموالهم في السراء والضراء، ويكظمون غيظهم، ويعفون عن الناس، وأنهم إذا فعلوا فعلة فاحشة متناهية في القبح، أو ظلموا أنفسهم، بارتكاب أى نوع من أنواع الذنوب «ذكروا الله» أى تذكروا حقه العظيم، وعذابه