للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشديد، وحسابه العسير للظالمين يوم القيامة «فاستغفروا لذنوبهم» أى طلبوا منه- سبحانه- المغفرة لذنوبهم التي ارتكبوها، وتابوا إليه توبة صادقة نصوحا.

وعلى هذا يكون قوله- تعالى- وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا معطوفا على الصفة الأولى من صفات المتقين، ويكون قوله- تعالى- وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ جملة معترضة بين الصفات المتعاطفة.

قال الفخر الرازي: واعلم أن وجه النظم من وجهين:

الأول: أنه- تعالى- لما وصف الجنة بأنها معدة للمتقين بين أن المتقين قسمان:

أحدهما: الذين أقبلوا على الطاعات والعبادات، وهم الذين وصفهم بالإنفاق في السراء والضراء، وكظم الغيظ والعفو عن الناس.

وثانيهما: الذين أذنبوا ثم تابوا وهو المراد بقوله- تعالى- وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً وبين- سبحانه- أن هذه الفرقة كالفرقة الأولى في كونها متقية..

والوجه الثاني: أنه في الآية الأولى ندب إلى الإحسان إلى الغير، وندب في هذه الآية إلى الإحسان إلى النفس، فإن المذنب إذا تاب كانت توبته إحسانا منه إلى نفسه» «١» .

وقوله أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ معطوف على قوله فَعَلُوا فاحِشَةً من باب عطف العام على الخاص، وهذا على تفسير الفاحشة بأنها كبائر الذنوب، أما ظلم النفس فيتناول كل ذنب سواء أكان صغيرا أم كبيرا.

وبعضهم يرى أن الفاحشة وظلم النفس وجهان للمعصية لا ينفصلان عنها، بمعنى أن كل معصية لا تخلو منهما فهي فاحشة وظلم للنفس، وعلى هذا تكون «أو» بمعنى الواو.

ويكون المعنى: ومن يرتكب فاحشة ويظلم نفسه، ويتذكر الله عند ارتكابها فيعود إليه تائبا منيبا يكون من المتقين.

وفي التعبير بقوله: إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ بصيغة الشرط الجواب، إشعار بوجوب اقتران الجواب بالشرط. أى أن الشخص الذي يدخل في جملة المتقين هو الذي يعود إلى ربه تائبا فور وقوع المعصية، بحيث لا يسوف ولا يؤخر التوبة حتى إذا حضره الموت.

قال: إنى تبت الآن.

وقوله: وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ جملة معترضة بين قوله فَاسْتَغْفَرُوا وبين قوله وَلَمْ يُصِرُّوا.


(١) تفسير الفخر الرازي ج ٩ ص ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>