والاستفهام في قوله: وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ للإنكار والنفي.
أى: لا أحد يقبل توبة التائبين، ويغفر ذنوب المذنبين، ويمسح خطايا المخطئين، إلا الله العلى الكبير «الذي يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويتوب الله على من تاب» - كما جاء في الحديث الشريف- ولذا قال صاحب الكشاف عند تفسيره لهذه الجملة ما ملخصه: في هذه الجملة وصف لذاته- تعالى- بسعة الرحمة، وقرب المغفرة، وأن التائب من ذنبه كمن لا ذنب له، وأنه لا مفزع للمذنبين إلا فضله وكرمه.
وفيها تطييب لنفوس العباد، وتنشيط للتوبة، وبعث عليها، وردع عن اليأس والقنوط، وأن الذنوب وإن جلت فإن عفوه أجل، وكرمه أعظم. والمعنى أنه وحده عنده مصححات المغفرة، وهذه جملة معترضة بين المعطوف، والمعطوف عليه» «١» .
وقوله وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ بيان لشروط الاستغفار المقبول عند الله- تعالى-.
أى أن من صفات المتقين أنهم إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم، سارعوا بالتوبة إلى الله- تعالى-، ولم يصروا على الفعل القبيح الذي فعلوه، وهم عالمون بقبحه، بل يندمون على ما فعلوا، ويستغفرون الله- تعالى- مما فعلوا، ويتوبون إليه توبة صادقة.
وقوله وَلَمْ يُصِرُّوا معطوف على قوله فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ.
وقوله وَهُمْ يَعْلَمُونَ جملة حالية من فاعل «يصروا» أى ولم يصروا على ما فعلوا وهم عالمون بقبحه.
ومفعول يعلمون محذوف للعلم به أى يعلمون سوء فعلهم، أو يعلمون أن الله يتوب على من تاب، أو يعلمون عظم غضب الله على المذنبين الذين يداومون على فعل القبائح دون أن يتوبوا إليه.
فأنت ترى أن هذه الآية الكريمة قد فتحت باب التوبة أمام المذنبين، وحرضتهم على ولوجه بعزيمة صادقة، وقلب سليم، ولم تكتف بذلك بل بشرتهم بأنهم متى أقلعوا عن ذنوبهم، وندموا على ما فعلوا، وعاهدوا الله على عدم العودة على ما ارتكبوه من خطايا، وردوا المظالم إلى أهلها، فإن الله- تعالى- يغفر لهم ما فرط منهم، ويحشرهم في زمرة عباده المتقين.
إنه- سبحانه- لا يغلق في وجه عبده الضعيف المخطئ باب التوبة، ولا يلقيه حائرا منبوذا في ظلام المتاهات، ولا يدعه مطرودا خائفا من المصير، وإنما يطمعه في مغفرته- سبحانه-