للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه من أخطاء فإن الإيمان يوجب قوة القلب، وصدق العزيمة، والصمود في وجه الأعداء، والإصرار على قتالهم حتى تكون كلمة الله هي العليا.

والتعليق بالشرط في قوله إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ المراد منه التهييج لنفوسهم حتى يكون تمسكها بالإيمان أشد وأقوى، إذ قد علم الله- تعالى- أنهم مؤمنون، ولكنهم لما لاح عليهم الوهن والحزن بسبب ما أصابهم في أحد صاروا بمنزلة من ضعف يقينه، فقيل لهم: إن كنتم مؤمنين حقا فاتركوا الوهن والحزن وجدوا في قتال أعدائكم، فإن سنة الله في خلقه اقتضت أن تصيبوا من أعدائكم وأن تصابوا منهم إلا أن العاقبة ستكون لكم.

فالآية الكريمة تحريض للمؤمنين على الجهاد والصبر، وتشجيع على القتال وتسلية لهم عما أصابهم، وبشارة بأن النصر في النهاية سيكون حليفهم.

ثم أضاف- سبحانه- إلى ذلك تسلية جديدة لهم، فأخبرهم بأن ما أصابهم من جراح وآلام قد أصيب أعداؤهم بمثله فقال- تعالى-: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ.

فقال الفخر الرازي: واعلم أن هذا من تمام قوله- تعالى- وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ فبين- تعالى- أن الذي يصيبهم من القرح لا يصح أن يزيل جدهم واجتهادهم في جهاد العدو، وذلك لأنه كما أصابهم ذلك فقد أصاب عدوهم مثله قبل ذلك، فإذا كانوا مع باطلهم وسوء عاقبتهم لم يفتروا لأجل ذلك في الحرب، فبأن لا يلحقكم الفتور مع حسن العاقبة والتمسك بالحق أولى «١» .

والمراد بالمس هنا: الإصابة بالجراح ونحوها.

والقرح- بفتح القاف- الجرح الذي يصيب الإنسان، والقرح- بضم القاف- الألم الذي يترتب على ذلك وقيل هما لغتان بمعنى واحد وهو الجرح وأثره.

والمعنى: إن تكونوا- أيها المؤمنون- قد أصابتكم الجراح من المشركين في غزوة أحد، فأنتم قد أنزلتم بهم من الجراح في غزوة بدر مثل ما أنزلوا بكم في أحد، ومع ذلك فإنهم بعد بدر قد عادوا لقتالكم، فأنتم أولى بسبب إيمانكم ويقينكم ألا تهنوا وألا تحزنوا لما أصابكم في أحد وأن تعقدوا العزم على منازلتهم حتى يظهر أمر الله وهم كارهون.

وقيل: إن المعنى إن تصبكم الجراح في أحد فقد أصيب القوم بجراح مثلها في هذه المعركة ذاتها.


(١) تفسير الفخر الرازي ج ٩ ص ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>