للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ذكر صاحب الكشاف هذين المعنيين فقال: والمعنى: إن نالوا منكم يوم أحد فقد نلتم منهم قبله يوم بدر، ثم لم يضعف ذلك قلوبهم، ولم يثبطهم عن معاودتكم بالقتال فأنتم أولى أن لا تضعفوا. ونحوه وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ وقيل: كان ذلك يوم أحد، فقد نالوا منهم قبل أن يخالفوا أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

فإن قلت: كيف قيل «قرح مثله» وما كان قرحهم يوم أحد مثل قرح المشركين؟ قلت: بلى كان مثله. ولقد قتل يومئذ خلق من الكفار. ألا ترى إلى قوله- تعالى- وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ، حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ

«١» .

ويبدو لنا أن الظاهر هو الرأى الأول، وهو أن الكلام عن غزوتى بدر وأحد، لأن الله- تعالى- قد ساق هذه الآية الكريمة لتسلية المؤمنين بأن ما أصابهم في أحد من المشركين قد أصيب المشركون بمثله على أيدى المؤمنين في غزوة بدر، فلماذا يحزنون أو يضعفون؟ ولأن قوله- تعالى- بعد ذلك وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ، يؤيد هذا المعنى- كما سنبينه بعد قليل-.

وجواب الشرط في قوله إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ ... إلخ. محذوف. والتقدير إن يمسسكم قرح فاصبروا عليه واعقدوا عزمكم على قتال أعدائكم، فقد مسهم قرح مثله قبل ذلك.

وعبر عما أصاب المسلمين في أحد بصيغة المضارع يَمْسَسْكُمْ لقربه من زمن الحال، وعما أصاب المشركين بصيغة الماضي لبعده لأن ما أصابهم كان في غزوة بدر.

وقوله وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ بيان لسنة الله الجارية في كونه، وتسلية للمؤمنين عما أصابهم في أحد.

وقوله نُداوِلُها من المداولة، وهي نقل الشيء من واحد إلى آخر.

يقال: هذا الشيء تداولته الأيدى، أى انتقل من واحد إلى آخر ...

والمعنى: لا تجزعوا أيها المؤمنون لما أصابكم من الجراح في أحد على أيدى المشركين فهم قد أصيبوا منكم بمثل ذلك في غزوة بدر، وإن أيام الدنيا هي دول بين الناس، لا يدوم سرورها ولا غمها لأحد منهم، فمن سره زمن ساءته أزمان، ومن أمثال العرب. الحرب سجال، والأيام دول فهي تارة لهؤلاء وتارة لأولئك، كما قال الشاعر:


(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>