للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا وأبى الناس لا يعلمون ... فلا الخير خير ولا الشر شر

فيوم علينا، ويوم لنا ... ويوم نساء ويوم نسر

واسم الإشارة تِلْكَ مشاربه إلى ما بعده، كما في الضمائر المبهمة التي يفسرها ما بعدها، ومثل هذا التركيب يفيد التفخيم والتعظيم.

والمراد بالأيام: الأوقات والأزمان المختلفة لا الأيام العرفية التي يتكون الواحد منها من مدة معينة.

وقد فسر صاحب الكشاف مداولة الأيام بتبادل النصر، فقال: وقوله: وَتِلْكَ الْأَيَّامُ، تلك مبتدأ. والأيام صفته ونُداوِلُها خبره.

ويجوز أن يكون تِلْكَ الْأَيَّامُ مبتدأ وخبرا، كما تقول: هي الأيام تبلى كل جديد.

والمراد بالأيام: أوقات الظفر والغلبة. ونداولها: نصرفها بين الناس، نديل تارة لهؤلاء وتارة لهؤلاء» «١» .

وقد تكلم الإمام الرازي عن الحكمة في مداولة الأيام بين الناس فقال ما ملخصه: واعلم أنه ليس المراد من هذه المداولة أن الله- تعالى- ينصر المؤمنين وأخرى ينصر الكافرين، وذلك لأن نصرة الله منصب شريف، وإعزاز عظيم فلا يليق بالكافر، بل المراد من هذه المداولة أنه تارة يشدد المحنة على الكفار وأخرى على المؤمنين والفائدة فيه من وجوه:

الأول: إنه- سبحانه- لو شدد المحنة على الكفار في جميع الأوقات وأزالها عن المؤمنين في جميع الأوقات. لحصل العلم الاضطراري بأن الإيمان حق وما سواه باطل، ولو كان كذلك لبطل التكليف والثواب والعقاب، فلهذا المعنى تارة يسلط الله المحنة على أهل الإيمان وأخرى على أهل الكفر لتكون الشبهات باقية، والمكلف يدفعها بواسطة النظر في الدلائل الدالة على صحة الإسلام فيعظم ثوابه عند الله.

والثاني: أن المؤمن قد يقدم على بعض المعاصي، فيكون تشديد المحنة عليه في الدنيا أدبا، وأما تشديد المحنة على الكافر فإنه يكون غضبا من الله عليه» «٢» .

ووجه آخر وهو شحذ عزائم المؤمنين في اتخاذ وسائل النصر فلا يركنوا إلى إيمانهم ويتركوا العمل بالأسباب.

ثم كشفت السورة الكريمة عن جوانب من حكمة الله فيما وقع من أحداث في غزوة أحد،


(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٤١٩.
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ٩ ص ١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>