للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأن الأصل في المستثنى أن يكون داخلا تحت اسم المستثنى منه حتى يقوم دليل على أنه خارج عنه. وقد اختار هذا الرأى ابن عباس، وابن مسعود وجمهور المفسرين.

وقيل إنه ليس منهم لقوله- تعالى- إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ، فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ، فهو أصل الجن، كما أن آدم أصل الإنس، ولأنه خلق من نار، والملائكة خلقوا من نور، ولأن له ذرية ولا ذرية للملائكة. وقد اختار هذا القول الحسن وقتادة وغيرهما.

وقد حاول ابن القيم أن يجمع بين الرأيين فقال: والصواب التفصيل في هذه المسألة، وأن القولين في الحقيقة قول واحد، فإن إبليس كان مع الملائكة بصورته وليس منهم بمادته وأصله.

كان من نار وأصل الملائكة من نور، فالنافي كونه من الملائكة. والمثبت لم يتواردا على محل واحد «١» .

ولما كان استثناء إبليس من الساجدين لا يدل على أنه ترك السجود عصيانا، إذ قد يكون تركه لعذر، دل بقول: أَبى وَاسْتَكْبَرَ على أنه امتنع من السجود أنفة، وتعاظما، وأردف هذا التعاظم والغرور باعتراضه على الله- تعالى- في تفضيل آدم، فصار بذلك في فريق الكافرين، ولذا ختمت الآية بقوله- تعالى-: وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ أى: صار بسبب عصيانه واستكباره من الكافرين بالله، الجاحدين لنعمه، البعيدين عن رحمته ورضوانه.

وقوله- تعالى- وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ معطوف على قوله (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ ... إلخ أي: بعد أن أمرنا الملائكة بالسجود لآدم، قلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة، فهذه تكرمة أكرمه الله بها بعد أن أكرمه بكرامة الإجلال من تلقاء الملائكة.

وقوله: اسْكُنْ أمر من السكنى بمعنى اتخاذ المسكن على وجه الاستقرار.

والزوج: يطلق على الرجل والمرأة والمراد به هنا حواء، حيث تقول العرب للمرأة زوج، ولا تكاد تقول زوجة.

والجنة: هي كل بستان ذي شجر متكاثف، ملتف الأغصان، يظلل ما تحته ويستره، من الجن، وهو ستر الشيء عن الحاسة.

وجمهور أهل السنة على أن المراد بها هنا دار الثواب. التي أعدها الله للمؤمنين يوم القيامة، لأن هذا هو المتبادر إلى الذهن عند الإطلاق.

ويرى جمهور علماء المعتزلة أن المراد بها هنا بستان بمكان مرتفع من الأرض، خلقه الله


(١) تفسير القاسمى ج ٢ ص ١٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>