وقد نفى- سبحانه- هذه الأوصاف الثلاثة عن هؤلاء المؤمنين الصادقين مع أن واحدا منها يكفى نفيه لنفيها لأنها متلازمة- وذلك لبيان قبح ما يقعون فيه من أضرار فيما لو تمكن واحد من هذه الأوصاف من نفوسهم.
وجاء ترتيب هذه الأوصاف في نهاية الدقة بحسب حصولها في الخارج، فإن الوهن الذي هو خور في العزيمة إذا تمكن من النفس أنتج الضعف الذي هو لون من الاستسلام والفشل. ثم تكون بعدهما الاستكانة التي يكون معها الخضوع لكل مطالب الأعداء وإذا وصل الإنسان إلى هذه المرحلة في حياته كان الموت أكرم له من هذه الحياة.
وقوله وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ تذييل قصد به حض المؤمنين على تحمل المكاره وعلى مقاساة الشدائد ومعاناة المكاره من أجل إعلاء دينهم حتى يفوزوا برضا الله ورعايته كما فاز أولئك الأنقياء الأوفياء.
أى والله- تعالى- يحب الصابرين على آلام القتال، ومصاعب الجهاد، ومشاق الطاعات، وتبعات التكاليف التي كلف الله- تعالى- بها عباده.
ثم أتبع- سبحانه- محاسنهم الفعلية، ببيان محاسنهم القولية فقال- تعالى- وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا، وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا، وَثَبِّتْ أَقْدامَنا، وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ.
أى أن هؤلاء الأنقياء الأوفياء الصابرين ما كان لهم من قول في مواطن القتال وفي عموم الأحوال إلا الضراعة إلى الله- بثلاثة أمور:
أولها: حكاه القرآن عنهم في قوله: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا.
أى: إنهم يدعون الله- تعالى- بأن يغفر لهم ذنوبهم ما كان صغيرا منها وما كان كبيرا: وأن يغفر لهم إسرافهم في أمرهم أى ما تجاوزوه من الحدود التي حدها لهم وأمرهم بعدم تجاوزها.
وثانيها: حكاه القرآن عنهم في قوله وَثَبِّتْ أَقْدامَنا اى اجعلنا يا ربنا ممن يثبت لحرب أعدائك وقتالهم ولا تجعلنا ممن يوليهم الأدبار.
وثالثها: حكاه القرآن عنهم في قوله وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ أى اجعل النصر لنا يا ربنا على أعدائك وأعدائنا الذين جحدوا وحدانيتك، وكذبوا نبيك وضلوا ضلالا بعيدا.
وتأمل معى- أخى القارئ- هذه الدعوات الكريمة تراها قد جمعت ما جمعت من صدق اليقين، وحسن الترتيب.