فهم قد التمسوا- أولا- من خالقهم مغفرة ذنوبهم والتجاوز عما وقعوا فيه من أخطاء وهذا يدل على سلامة قلوبهم وتواضعهم واستصغار أعمالهم مهما عظمت أمام فضل الله ونعمه.
ثم التمسوا منه- ثانيا- تثبيت أقدامهم عند لقاء الأعداء حتى لا يفروا من أمامهم.
ثم التمسوا منه- ثالثا- النصر على الكافرين وهو غاية القتال، لأن الانتصار عليهم يؤدى إلى منع وقوع الفتنة في الأرض، وإلى إعلاء كلمة الحق.
قال صاحب الكشاف: قوله وَما كانَ قَوْلَهُمْ إلخ هذا القول وهو إضافة الذنوب والإسراف إلى أنفسهم مع كونهم ربانيين هضما لها واستقصارا. والدعاء بالاستغفار منها مقدما على طلب تثبيت الأقدام في مواطن الحرب والنصرة على العدو، ليكون طلبهم إلى ربهم عن زكاة وطهارة وخضوع. وهو أقرب إلى الاستجابة» «١» .
وكان هنا ناقصة، وقوله قَوْلَهُمْ بالنصب خبرها واسمها المصدر المتحصل من «أن» وما بعدها في قوله إِلَّا أَنْ قالُوا والاستثناء مفرغ.
أى: ما كان قولهم في ذلك المقام وفي غيره من المواطن إلا قولهم هذا الدعاء أى هو دأبهم وديدنهم.
ثم بين- سبحانه- الثمار التي ترتبت على هذا الدعاء الخاشع والإيمان الصادق والعمل الخالص لوجهه- سبحانه- فقال: فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ، وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.
والفاء في قوله فَآتاهُمُ لترتيب ما بعدها على ما قبلها.
أى أن هؤلاء الذين آمنوا بالله حق الإيمان وجاهدوا في سبيله حق الجهاد لم يخيب الله- تعالى- سعيهم ولم يقفل بابه عن إجابة دعائهم، وإنما أعطاهم الله- تعالى- ثواب الدنيا من النصر والغنيمة وقهر الأعداء، وصلاح الحال.
كما أعطاهم حسن ثواب الآخرة بأن منحهم رضوانه ورحمته ومثوبته وإنما خص ثواب الآخرة بالحسن للتنبيه على عظمته وفضله ومزيته، وأنه هو المعتد به عنده- تعالى- لأنه غير زائل، وغير مشوب بتنغيص أو قلق.
وقوله وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ تذييل مقرر لمضمون ما قبله، فإن محبة الله- تعالى- للعبد مبدأ كل خير وسعادة.
وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد قررت في مطلعها حقيقة ثابتة. وهي أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم
(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٤٢٤.