للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للمسلمين، غير أنهم اشتغلوا بالغنيمة وترك بعض الرماة أيضا مراكزهم طلبا للغنيمة فكان ذلك سبب الهزيمة.

وقد روى البخاري عن البراء بن عازب قال: لما كان يوم أحد ولقينا المشركين أجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أناسا من الرماة وأمر عليهم عبد الله بن جبير وقال لهم: «لا تبرحوا من مكانكم. إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا، وإن رأيتموهم قد ظهروا علينا فلا تعينونا» .

قال: فلما لقيناهم هربوا حتى رأيت النساء يشتددن الجبل- أى يسرعن الفرار- يرفعن عن سوقهن، قد بدت خلاخلهن. فجعلوا يقولون- أى الرماة- «الغنيمة.. الغنيمة» فقال لهم أميرهم عبد الله بن جبير. أمهلوا. أما عهد إليكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ألا تبرحوا أماكنكم؟ فأبوا- وانطلقوا لجمع الغنائم- فلما أتوهم صرف الله وجوههم وقتل من المسلمين سبعون رجلا» «١» .

وصدق الوعد معناه: تحقيقه والوفاء به، الصدق: مطابقة الخبر للواقع. والمراد بهذا الوعد، ما وعد الله به المؤمنين من النصر والظفر في مثل قوله- تعالى- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ «٢» .

وفي مثل قوله- تعالى- سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً «٣» .

وفي مثل قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم للرماة قبل أن تبدأ المعركة «لا تبرحوا أماكنكم فلن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم» .

ومعنى «تحسونهم تقتلونهم قتلا شديدا يفقدون معه حسهم وحركتهم. يقال: حسه حسا إذا قتله. وحقيقته: أصاب حاسته بآفة فأبطلها، يقال: كبده وفأده أى: أصاب كبده وفؤاده.

ومنه جراد محسوس، وهو الذي قتله البرد أو مسته النار فأهلكته.

والمعنى: ولقد حقق الله- تعالى- لكم- أيها المؤمنون- ما وعدكم به من النصر على أعدائكم إذ أيدكم في أول معركة أحد بعونه وتأييده فصرتم تقتلون المشركين قتلا ذريعا شديدا بإذنه وتيسيره ورعايته وكان حليفا لكم في أول المعركة.

و «صدق» يتعدى لاثنين أحدهما بنفسه والآخر بحرف الجر تقول: صدقت زيدا في


(١) تفسير القرطبي ج ٤ ص ٢٢٣- بتصرف يسير.
(٢) سورة محمد الآية ٧.
(٣) سورة آل عمران الآية ١٥١. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>