الحديث. وقد يتعدى بنفسه إلى المفعولين كما هنا إذ المفعول الأول ضمير المخاطبين، والثاني قوله وَعْدَهُ.
وقوله إِذْ تَحُسُّونَهُمْ معمول لصدقكم أى صدقكم في هذا الوقت وهو وقت قتلهم وقوله «بإذنه» متعلق بمحذوف لأنه حال من فاعل «تحسونهم» أى تقتلونهم مأذونا لكم في ذلك.
فالجملة الكريمة تذكر المؤمنين بما كان من نصر الله- تعالى- لهم عند ما أقبلوا على معركة أحد بقلوب مخلصة، ونفوس ثابتة وعزيمة صادقة.. ثم بين- سبحانه- أما ما أصابهم من هزيمة بعد ذلك كان بسبب فشلهم وتنازعهم فقال- تعالى: حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ.
والفشل: بمعنى الجبن والضعف، يقال فشل يفشل فهو فشل وفاشل والتنازع: التخاصم والتحالف.
والمعنى: ولقد صدقكم الله وعده في النصر- أيها المؤمنون- عند ما كنتم تقاتلون أعداءكم بإيمان صادق، وإخلاص الله- تعالى- حتى إذا ضعفت نفوسكم وعجزتم عن مقاومة أهوائكم وتنازعتم فيما بينكم (أنتبع الغنائم نجمعها أم نبقى في أماكننا التي حددها الرسول صلّى الله عليه وسلّم لنا) ؟
ومال أكثركم إلى طلب الغنائم مخالفا أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم من بعد ما أراكم الله في أول المعركة من نصر مؤزر تحبونه وترجونه، ومن مغانم تتطلعون إليها بلهفة وشوق.
حتى إذا فعلتم ذلك منع الله- تعالى- عنكم نصره، وتحول نصركم إلى هزيمة وفقدتم أنفسكم وما جمعتموه من غنائم.
وهكذا نرى أن ما أصاب المسلمين في أحد من هزيمة كان بسبب فشل بعضهم وتنازعهم وعصيانهم أمر رسولهم صلّى الله عليه وسلّم وصدق الله إذ يقول: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً «١» .
ولقد رتب الله- تعالى- ما حدث من بعض المؤمنين في غزوة أحد ترتيبا دقيقا، يتفق مع ما حصل منهم وذلك لأنهم حدث منهم- أولا- الفشل بمعنى العجز النفسي عن الثبات والصبر. ثم ترتب على ذلك أن تنازعوا فيما بينهم ونتج عن هذا التنازع أن ترك معظمهم مكانه ونزل إلى ميدان المعركة لجمع المغانم، ثم ترتب على كل ذلك معصيتهم لأمر رسولهم وقائدهم صلّى الله عليه وسلّم.