ولكن هذا لا يوجب إهدار النصوص، وتقديم قول الواحدِ منهم عليها بشبهة أنه أعلمُ منك، بل عليك أن تعرض أقوالهم على النصوص، وتزنها بها، وتخالِف منها ما خالف النصَّ، وتأخُذ منها ما وافقه.
وما أروع ما قاله أبو عمر يوسف بن عبد البر النَّمِري القرطبي في كتابه "جامع بيان العلم وفضله"(٢/ ١٧٢ - ١٧٣): "فعليك يا أخي بحفظ الأصولِ والعناية بها، واعلم أن من عُني بحفظ السُّننِ والأحكام المنصوصة في القرآن، ونظر في أقاويل الفقهاء، فجعله عونًا له على اجتهاده، ومفتاحًا لطرائق النظرِ، وتفسيرًا لجمل السن المحتملة للمعاني، ولم يقلِّد أحدًا منهم تقليد السُّنن التي يجب الانقياد إليها على كل حال دون نظر، ولم يُرحْ نفسه مما أخذ العلماءُ به أنفسهم من حفظ السنن وتدبُّرها، واقتدى بهم في البحث والتفهم والنظر، وشكر لهم سعيهم فيما أفادوه، ونبهوا عليه، وحمدهم على صوابهم الذي هو أكثر أقوالهم، ولم يُبَرِّئْهُمْ من الزلل كما لم يبرئُوا أنفسهم منه؛ فهذا هو الطالب المتمسكُ بما عليه السلف الصالح، وهو المصيب لحظه، والمعاينُ لرشده، والمتبع لسُنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وهدي صحابته - رضي الله عنهم -، ومن أعفى نفسهُ من النظر، وأضرب عما ذكرنا، وعارض السُّننَ برأيه، ورام أن يرُدَّها إلى مبلغ نظره فهو ضال مضل، ومن جهل ذلك كلَّه أيضًا وتقحم في الفتوى بلا علم فهو أشدُّ عمى وأضلُّ سبيلًا" اهـ.
• وإليك أخي القارئ منهجي في تأليف الكتاب:
أولًا: تحديد المصادر، وجمع المادة لكل باب من أبواب الكتاب - وهي بحمد الله كثيرة - ككتب تفسير القرآن، وخاصَّة تفاسير آيات الأحكام، وكتب الحديث وخاصة التي تهتم بفقه الحديث، وكتبِ الفقه الذهبي والمقارنِ وخاصَّة التي تُعنى بالدليل، ومناقشةِ آراء المخالفين والرد عليها.
ثانيًا: تمحيص وترجيح النصوص والأقوال، ونصرةُ القول الراجحِ الذي قويت حجَّتُه، واتضحت أدلَّتُه، وليس هذا تلفيقًا، وإنما هو اتباع للدليل حيثما وجدته، وخضوع للحقِّ الواضح.
ثالثًا: تخريجُ الأحاديث، وبيانُ مرتبة كلِّ حديثٍ من الصحة والضعف.