للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال القاسمي (١): "يهوى بعضُ ملازمي الجماعات مكانًا مخصوصًا، أو ناحيةً من المسجد، إما وراء الإمام، أو جانب المنبر، أو أمامه، أو طرفَ حائطه اليمين أو الشمال، أو الصفة المرتفعة في آخره، بحيث لا يلذُّ له التعبد ولا الإقامة إلا بها، وإذا أبصر من سبقه إليها فربما اضطرهُ إلى أن يتنحى له عنها؛ لأنها محتكرة، أو يذهب عنها مغضبًا، أو متحوقلًا، أو مسترجعًا، وقد يفاجيء الماكث بها بأنها مقامه من كذا وكذا سنة، وقد يستعين بأشكاله من جهلة المتنسكين على أن يقام منها، إلى غير ذلك من ضروب الجهالات التي ابتليت بها أكثر المساجد، ولا يخفى أن محبة مكانٍ من المسجد على حدة تنشأ من الجهل أو الرياء والسمعة، وأن يقال أنه لا يصلي إلا في المكان الفلاني، أو أنه من أهل الصفِّ الأول مما يحبط العمل ملاحظته ومحبته، نعوذ باللّه.

وهبْ أن هذا المتوطن لم يقصد ذلك فلا أقلَّ أنه يفقدُ لذة العبادة بكثرة الإلفِ والحرص على هذا المكان؛ بحيث لا يدعوه إلى المسجد إلا موضعه، وقد ورد النهيُ عن ذلك - كما في الحديث الحسن المتقدم آنفًا -" اهـ.


= (١/ ٣٠٣)، وابن عدي في "الكامل" (٢/ ٥١٥)، والعقيلي في "الضعفاء" (١/ ١٧٠)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (٢/ ٩١) من طرق عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن تميم بن محمود عنه به، وأخرجه أحمد (٣/ ٤٢٨)، وأبو داود رقم (٨٦٢)، والنسائي (٢/ ٢١٤ - ٢١٥)، والبيهقي (٢/ ١١٨) من طرق عن جعفر بن عبد اللّه - وهو والد عبد الحميد، وله شاهد بلفظ: "نهى عن نقرة الغرابِ، وعن فرشةِ السَّبُعِ، وأن يوطن الرجلُ مقامَهُ في الصلاة كما يوطنُ البعيرُ".
أخرجه أحمد (٥/ ٤٤٦ - ٤٤٧)، وفي سنده مجهولٌ، وهو عبد الحميد هذا، وخلاصة القول: أن الحديث حسن لغيره، واللّه أعلم.
(١) في "إصلاح المساجد" ص (١٨٥).

<<  <   >  >>