للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرسول خاصيته وجعله مثل غيره وذلك أنه لو كان المراد به كون الله فاعلا لفعلك: لكان هذا قدراً مشتركاً بينه وبين سائر الخلق وكان من بايع أبا جهل فقد بايع الله ومن بايع مسيلمة الكذاب فقد بايع الله ومن بايع قادة الأحزاب فقد بايع الله» (١).

ثالثاً: أن في قولهم هذا تعطيلاً للأمر والنهي وإبطالاً للشرع، قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: «وهذا يقع فيه كثير ممن يلحظ القيومية الشاملة العامة المتناولة لكل مخلوق وهؤلاء من أكفر الخلق ويجعلون هذا منافياً للأمر والنهي وهم من جنس الذين قالوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا}، إلى قوله: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} [الأنعام:١٤٨]» (٢).

رابعاً: نفي الفعل عن العبد لا يجوز بإجماع الأمة، قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: «ومما يبين ذلك أن أفعال العباد لا يجوز أن تنفى عنهم باتفاق المسلمين من قال: إن الله تعالى خالقها، ومن قال إنه لم يخلقها لا يجوز أن يقال: هذا ما أكل ولا شرب ولا قعد ولا ركب ولا طاف ولا ركع ولا سجد ولا صام ولا سعى ولكن الله هو الذي أكل وشرب وقعد وركب وطاف وركع وسجد وصام وسعى، وسواء كانت الأفعال محمودة أو مذمومة، وسواء كانت سبباً لخرق العادة أم لا، فلا يقال: إن موسى ما ضرب بعصاه البحر ولا الحجر ولكن الله ضرب، ولا يقال: إن نوحاً ما ركب في السفينة ولكن الله ركب، ولا يقال: إن المسيح ما ارتفع إلى السماء بل الله ارتفع، ولا يقال: إن محمداً -صلى الله عليه وسلم- ما ركب البراق بل الله ركب وأمثال هذا» (٣).

خامساً: أن "الفعل المختص بالمخلوق لا يضاف إلى الله تعالى إلا على بيان أن الله تعالى خلقه وجعل صاحبه فاعلا كقول الخليل -عليه السلام-: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} وكما قال: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً


(١) مجموع الفتاوى (٢/ ٣٣٣).
(٢) الرد على البكري (١/ ٣١٩).
(٣) الرد على البكري (١/ ٣٣٧).

<<  <   >  >>