للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القنديل، فيشرق، ويضيء ويشعل، فيصيحون صيحة واحدة، ويصلبون على وجوههم، ويأخذون في البكاء والشهيق.

قال أبو بكر الطرطوشي (١): كنت ببيت المقدس، وكان واليها إذ ذاك رجلاً يقال له: سقمان (٢)، فلما انتهى إليه خبر هذا العيد أنفذ إلى بتاركهم، وقال: أنا نازل إليكم في هذا اليوم، لأكشف عن حقيقة ما تقولون فإن كان حقاً ولم يتضح لي وجه الحيلة أقررتكم عليه، وعظمته معكم، وإن كان مخرفة على عوامكم أوقعت بكم ما تكرهون.

فصعب ذلك عليهم جداً وسألوه ألا يفعل، فأبى وألح في ذلك، فحملوا له مالاً عظيماً فأعرض عنهم.

قال الطرطوشي: ثم اجتمعت بأبي محمد بن الأقدم بالإسكندرية، فحدثني أنهم يأخذون خيطاً دقيقا من نحاس -وهو الشريط- ويجعلونه في وسط قبة البيت إلى رأس الفتيلة التي في القنديل، ويدهنونه بدهن البلسان (٣)، والبيت مظلم، بحيث لا يدرك الناظرون الخيط النحاس.

وقد عظموا ذلك البيت، فلا يمكنون أحدا من دخوله. وفي رأس القبة رجل، فإذا قسسوا ودعوا ألقى على ذلك الخيط النحاس شيئا من نار النفط، فتجري النار


(١) هو محمد بن الوليد بن محمد بن خلف القرشي الفهري الأندلسي، أبو بكر الطرطوشي، ويقال له ابن أبي رندقة فقيه حافظ إمام محدث ثقة، من فقهاء المالكية من كتبه: سراج الملوك والحوادث والبدع (ت:٥٢٠ هـ). انظر: جذوة الملتمس (ص:١٣٥) وفيات الأعيان (٤/ ٢٦٢).
(٢) الملك سقمان بن أرتق بن أكسب التركماني له في حرب الفرنج الآثار الحسنة والحملات المستحسنة، كان أبوه والياً للسلاجقة على القدس، فلما توفي ورثه ولداه في حكم المدينة إلى أن أخذها منهم العبيديون (الفاطميون) عام ٤٩١ للهجرة (ت:٤٩٧ هـ). انظر: سير أعلام النبلاء (١٩/ ٢٣٤) مجمع الآداب (٢/ ٣٨٤).
(٣) البلسان: شجر كثير الورق وله دهن معروف يجعل في الدواء. انظر: العين (٧/ ٢٦٢) لسان العرب (٦/ ٣٠)

<<  <   >  >>