للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عمر - رضي الله عنه -: أصبت وأحسنت؛ ثم لقيه عمر - رضي الله عنه - بعد ذلك فقال له: ما منعك أن تسير إلى عملك؟ قال: يا أمير المؤمنين! إني رأيت رؤيا هالتني، قال: وما هي؟ قال: رأيت كأنّ الشمس والقمر يقتتلان؛ قال ابن الفضيل: قال حابس: رأيت كأنّ الشمس أقبلت من المشرق في جمع كثير وكأنّ القمر أقبل من المغرب في جمع كثير حتى التقيا فاقتتلا جميعًا (١) قال: فمع أيها كنت أنت؟ قال: مع القمر، فقرأ عمر - رضي الله عنه - {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} كنتَ مع القمر في مغرب الشمس، أردد إلينا عهدنا؛ قال عطاء: فبلغني أنه قتل بصفين مع معاوية) أفاد الحديث فوائد، منها أن من تقلد عملًا فلا ينبغي أن يتأخر عن المسير إليهِ ألا ترى كيف أنكر عليه عمر - رضي الله عنه - تأخره وهذا لأنه بقبول العمل تقلّد أمانة والتزم حقًا فيجب عليه القيام بذلك، وهذا إنما يكون بتقديم المسير إلى عمله. ومن فوائده جواز التفاؤل، وأنه لا يعد من الطيرة التي جاء النهي عنها، فأن حابسًا تفاءل بالرؤيا فتأخر عن المسير إلى عمله، وعمر - رضي الله عنه - تفاءل بذلك فعزله عن القضاء. ومن فوائده أن عمر - رضي الله عنه - كان ذا حظ من علم التعبير، وأبو بكر - رضي الله عنه - كان مقدمًا عليه فيه فإنّه روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: رأيتُ كأني أسوق غنمًا سُودًا يتبعها عَفر؟ فقال أبو بكر - رضي الله عنه - يتبعك العرب تتبعها العجم (٢)! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هكذا عبّر لي الملك. ومن فوائده أن معاوية كان ذا حظ على اعتبار رؤيا الرجل فإنه قال "كنت مع القمر" والقمر آية من آيات الله -عزّ وجل- كالشمس، لكن الشمس أضوأ، فهو كان ذا حظ من الملك دون الخلافة، والحق كان مع علي - رضي الله عنه - في نوبته لكن معاوية كان متأوّلًا فيما فعل ولكن أخطأ التأويل فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له "إذا ملكت أمتي فأحسن إليهم" فتأوّل ذلك بالخلافة، ولم يكن كما تأول فإنّ الخلافة انتهت بموت علي - رضي الله عنه - لما جاء في الحديث "الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم هي ملك وإمارة" ولهذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمعاوية "إذا ملكت أمتي فأحسن إليهم" سمى ذلك ملكًا لا خلافة، وإذا كان متأوّلًا فيجب كف اللسان عنه تحرزًا عن مواقع الهلكة والله أعلم.

ثم ذكر بعد هذا (حديث عمر - رضي الله عنه - أنه كتب كتابًا إلى أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - وقد ذكر محمَّد هذا الحديث في أول أدب القاضي وذكره (٣) الخصاف هاهنا، وقد اختلف بعض ألفاظه لكن المعاني لم تختلف فيها (٤)، ويسمى هذا الكتاب "كتاب


(١) زيادة من س.
(٢) وفي س "يتبعك العرب ثم العجم".
(٣) وفي س "أورده".
(٤) لفظ "فيها" ساقط في ص، وفي س "لكن المعاني غير متفاوتة".

<<  <   >  >>