للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سياسة القضاء" قال فيه (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أما بعد) قيل: أول من تكلم (١) بها داود صلوات الله عليه، والله -عَزَّ وَجَلَّ- يقول في حقه {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} قيل والله أعلم: فصل الخطاب كلمة "أما بعد" وإنما أراد هاهنا بقوله "أما بعد" يعني بعد ما سمعت فرغ قلبك لما أقول لك، قال (٢) (فإن القضاء فريضة محكمة وسنّة متبعة) معناه الفصل بين الخصمين بحق فريضة محكمة كانت وبقيت لم يرد عليها تبديل ولا تغيير (٣)، وسنة متبعة يعني سنّة غير مهجورة، ثم قال (فافهم إذا دلي (٤) إليك) وفي بعض الروايات إذا أدلى (٥) (الخصمان) معناه استحضر فهمك وفرغ خاطرك إذا رافع إليك الخصوم وألقى كل واحد منهم حجته لتسمع كلًا منهما (٦) فتتوصل به إلى القضاء بحق، ثم قال (فإنه لا ينفع تكلم (٧) بحق (٨) لا نفاذ له) معناه أن كل واحد من الخصمين ربما يتكلم بما يكون حجة عليه إما مبطلًا لدعواه أو ملزمًا إياه، وذلك حق جرى على لسانه، فإذا لم تسمعه لم يمكنك تنفيذه فلم يكن التكلم به نافعًا وهو التكلم بحق ثم قال (أسِّ بين الناس) أي سَوّ بين الخصمين وليس هو من التسوية لأنّه لو كان كذلك لقال "سو"، إنما هو من التأسي والتأسي بمعنى التسوية، يقال: فلان يتأسّى بفلان: أي هما سواء في هذه المصيبة، قال بعض نساء العرب وقد قتل أخوها (٩):

تذكر في طلوع الشمس صخرًا … واذكره بكل مغيب شمس

ولولا كثرة الباكين حولي … على إخوانهم لقتلت نفسي

وما يبكون مثل أخي ولكن أعزي … النفس عنه بالتأسي

وأراد به المساواة.

ثم قال (في وجهك) أي في نظرك والتفاتك لأنّه متى آثر أحدهما بزيادة نظر ضعف قلب خصمه فربما يذهب ويترك حقه فيكون الضياع مضافًا إلى القاضي، قال (ومجلسك) (١٠) أي سوّ بينهم في الجلوس في مجلسك قال (١١) (وعدلك) والعدل ما قاله


(١) وفي س "وهذه كلمة فصل الخطاب وأول من تكلم - إلخ".
(٢) زيادة من س.
(٣) وفي س "كان ثابتًا في شريعة من قبلنا وبقى في شريعتنا لم يرد عليه النسخ والتبديل".
(٤) وفي س "أولى".
(٥) و (٦) بين الرقمين ليس في س.
(٧) وفي س "كلامهما".
(٨) زيد هنا في م "فإنّه" وليس بـ"ص".
(٩) وفي س "الدليل عليه قول الخنساء ولولا كثرة الباكين - إلخ".
(١٠) وفي س "ثم قال وفي مجلسك".
(١١) وفي س "أراد به التسوية بينهما في الجلوس، ثم قال - إلخ".

<<  <   >  >>