للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أبو بكر - رضي الله عنه - بديهة، وقد سئل عنه على المنبر (١) فقال العدل أن تأتي إلى أخيك ما مثله (٢) من نفسه يرضيك. وعد هذا من فصاحة أبي بكر - رضي الله عنه - حيث أجاب بهذه الصفة على البديهة، ثم قال (حتى لا يطمع شريف في حيفك) يعني في ميلك، قال الله -عز وجل- {أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} (ولا ييأس ضعيف من عدلك) وذكر محمَّد في كتاب (٣) أدب القاضي "ولا يخاف ضعيف جورك وهما سواء" ثم قال (البيّنة على المدعي واليمين على من أنكر) وهو حديث مرفوع وهو من جملة جوامع الكلم فإنه تكلم بكلمتين استنبط الفقهاء منهما ما يبلغ دفاتر وإلى كل واحد منهما إشارة في كتاب الله -عَزَّ وَجَلَّ-، أما الأول فقول الله -عزَّ وجل- {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} والثاني قول الله -عَزَّ وَجَلَّ- {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} ثم قال (والصلح جائز بين الناس) وذكر محمَّد "بين المسلمين" والأول أعم ثم قال (إلَّا صلحًا حرم حلالًا أو حلل حرامًا) وتأويله عندنا: حرم حلالًا لعينه وذلك ما إذا صالحت المرأة زوجها أن لا يطأ ضرتها أو أحل حرامًا لعينه وهو صلح على شرب خمر أو أكل ميتة ونحوهما، وأما ما سوى ذلك فإنه جائز عندنا، ثم قال (ولا يمنعك من قضاء قضيته بالأمس فراجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك) أن راجع فيه الحق فإن الحق قديم ولا يبطل الحق، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل وهذا لأن القاضي لا يزيد درجته على درجة عمر [- رضي الله عنه -] (٤) وهو كان ينقض بعض قضاياه إذا ظهر له نص بخلافه، وكذا كان عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - في بعض فتاويه (٥)، لكن هذا إذا حكم بالاجتهاد ثم ظهر له نص بخلافه، أما إذا تغير رأيه بالاجتهاد فإنه لا ينقض (٦) ما أقضاه قبل ذلك لأنّ الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد ثم، قال (الفهم الفهم) تكرار التأكيد والأصل في الكتاب العزيز والله -عَزَّ وَجَلَّ- يقول (٧) {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} ومعناه: الزم الفهم وفرغ قلبك (٨)، ثم قال (فيما يختلج في صدرك مما ليس في قرآن ولا سنة) يعني افهم ما يتردد (٩) في صدرك وفي بعض النسخ "ما يتلجلج في صدرك" يعني افهم ما ترددك


(١) وفي س "وتفسير العدل ما نقل عن أبي بكر - رضي الله عنه - أنه سئل عن العدل على المنبر فأجاب على البديهة.
(٢) وفي س "بمثل ما" آية ٥٠ من سورة النور.
(٣) لفظ "كتاب" سقط في م.
(٤) بين المربعين زيادة من س.
(٥) وفي س "رجع عن بعض فتواه".
(٦) كذا في ص، م؛ ولعله "ما أمضاه" وفي س "أما إذا ظهر بالاجتهاد ولا ينقض".
(٧) وفي س "هذا تكرار لما قال في الابتداء تأكيدًا، فإن التكرار أصل التأكيد، قال الله تعالى".
(٨) وفي س "كذا هاهنا كرر للتأكيد، يعني فرغ خاطرك وقلبك لتفهم ما طلب منك".
(٩) من م، وفي ص "تردد".

<<  <   >  >>