للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أقضي بينكم (١) فيما لم ينزل علي فيه برأي) هذا دليل على أنه عليه الصلاة والسلام كان يحكم بالاجتهاد، على خلاف ما قاله بعض الناس، لكن كان إن أصاب فبها ونعمت وإن (٢) أخطأ لا يقر عليه فإذا اجتهد وحكم ولم يتصل بذلك نكير علم كونه حقًا، فإذا (٣) جاء تغيير بعد ذلك بمدة كان ناسخًا للأول، وهو نسخ السنة بالكتاب وذلك جائز، عندنا (٤).

وذكر (عن الشعبي قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقضي بالقضاء ثم ينزل القرآن بغير الذي قضى فلا يرد قضاؤه ويستأنف) وذلك لما ذكرنا أن التغيير بعد التقرير نسخ، والنسخ يؤثر في المستقبل ولا يؤثر في الماضي (٥). والله أعلم. وذكر (عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه استقضى شريحًا فقال له: كيف تقضي في أموال الناس؟ قال: بالبيّنات والشهداء قال عمر - رضي الله عنه -: أحرزت نفسك وأهلكت أموال الناس) وقوله "أحرزت نفسك" إشارة إلى أنه من تمسك بطريق الرسول لا يكون عليه العتب في الدنيا والوبال في الآخرة وقوله "أهلكت أموال الناس" إشارة إلى فساد أحوال الناس، فإن غير العدل قد يعدل في الظاهر والعدل قد يجرح فإذا فسد أحوال الناس فمن اعتمد الشهادة فقد أهلك أموال الناس (٦).

(قال أحمد بن عمرو) صاحب الكتاب رحمه الله (وإذا ابتُلي الرجل بالقضاء ودخل فيه فليتق الله وحده لا شريك له) لأن نيل المقاصد دينًا ودنيا بالتقوى (٧) قال الله -عزَّ وجل- {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} إلى قوله {مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} ثم قال (ويؤثر طاعة ربه ويعمل لمعاده) لأن فعل القاضي يصلح سببًا لنيل ثواب الآخرة ويصلح سببًا لحطام الدنيا (٨)، فينبغي أن يقصد به نيل الثواب، فإن ما عند الله -عز وجل- خير وأبقى وعن علي - رضي الله عنه - أنه قال: لو كانت الدنيا من ذهب يفنى والآخرة من تراب تبقى، فالعاقل يميل إلى تراب يبقى، كيف وإنه على العكس ثم قال (ويقصد الحق بجهده فيما يقلده) لأنه مأمور بالقضاء بالحق فيجب أن يجتهد ليصيبه ثم قال (ويتخذ كاتبًا ورعًا مسلمًا له معرفة بالفقه) لأن القاضي لا يجد بدًا من الكتابة


(١) زيادة من س.
(٢) وفي م "فإن".
(٣) و (٤) وفي س "فمتى قضى بالاجتهاد وأقر عليه صار ذلك شريعة له، فإن نزل القرآن بخلافه صار ناسخًا للسنة فإن نسخ السنة بالكتاب جائز".
(٥) وفي س "يظهر في المستقبل لا في الماضى".
(٦) بين المربعين زيادة من س.
(٧) وفي س "لأن الإنسان إنما ينال ما يطلب من الدنيا والآخرة بتقوى الله".
(٨) وفي س "سببًا لنيل متاع الدنيا".

<<  <   >  >>