للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يؤتى في منزله) ولهذا تأويلان: أحدهما أنه لا يؤتى في منزله بعد ما مل من فصل الخصومات ورجع إلى منزله ليستريح، فلا ينبغي أن يتبع لأنه إضرار به، والثاني أنه متى أتى في منزله يتهم بالميل والمراعاة فيجب التحرز عن ذلك (١) - والله أعلم.

وذكر (عن شريح أنه كان (٢) إذا كان يوم مطر (٣) قضى في داره) وله تأويلان: أحدهما أنه فعل ذلك رفقًا بنفسه كيلا تلحقه المشقة والكد بالمضي إلى المسجد، وجعل المطر عذرًا له (٤) في ذلك وهو يصلح لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل المطر عذرًا في التخلف عن الجماعة، قال - صلى الله عليه وسلم - إذا ابتلت (٤) النعال فالصلاة في الرحال"، (٥) والجماعة تفوت أصلًا، والقضاء لا يفوت لأن يفعله في منزله، فإذا (٦) كان المطر عذرًا هناك فهنا أولى (٧)؛ والثاني (٨) أنه فعل ذلك تنزيهًا للمسجد وتحرزًا عن تلويثه، لأن أقدام الخصوم لا تخلو عن شيء في يوم المطر، فرأي تلويث داره أحب إليه من تلويث المسجد.

ذكر (عن حسان بن إبراهيم قال: رأيت محارب بن دثار يقضي في المسجد، قال ورأيته يخضب بالسواد) ذكر القضاء في المسجد لما ذكرنا، وأما الخضاب فقد اختلف فيه السلف فكرهه بعضهم قالوا: لأنّ الشيب نور من أنوار الباري جلت قدرته فيكره تغييره، ولم يره بعضهم بأسًا (٩) وقد روي عن أبي بكر - رضي الله عنه - أنه كان يخضب بالحناء والكتم، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: كما يعجبني أن تتزيَّن امرأتي لي يعجبها أن أتزين لها؛ هذا منقول عن السلف.

وقد روي عن أبي يوسف في ذلك روايتان: في رواية قال: إن كان من المحاربين فلا بأس له بذلك، فكأنه ألحق ذلك بطول الشارب والظفر فأنه لا يكره لمن كان من أهل القتال، أما طول الشارب فلأنه أهيب في عين العدوّ، وطول الأظفار لأنها سلاحه (١٠)،


(١) وفي س "والثاني أن المراد منه لا يأتي أحد الخصمين في دار القاضي، لأن القاضي يتهم بالميل إليه فلا يؤتى في منزله نفيًا للتهمة عن القاضي".
(٢) سقط لفظ "كان" من م.
(٣) وفي الآصفية "يوم مطير" وفي س "يوم المطر".
(٤) و (٥) العبارة م، من الرقمين من س "ألا ترى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل المطر عذرًا في نظيره فقال: إذا ابتلتِ الحديث".
(٦) و (٧) موضع ما بين الرقمين في س "فلما جاز له التخلف عن الجماعة بعذر المطر فلأن يجوز التخلف عن حضور المسجد لأجل القضاء أولى".
(٨) وذكرت س الوجه الثاني بمعنى ما هاهنا.
(٩) وفي س "وعامة العلماء قالوا لا يكره".
(١٠) زادت س "وفي غير حالة القتال لا يفعل، فكذا هاهنا".

<<  <   >  >>