وأنت يا صدر الإسلام، أحق بهذه المأثرة، وأولى بهذه وأحرى من أعدّ جوابا لتلك المسألة، فإنّه الله الّذى (٩٠:١٩ {تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ)} فى موقف ما فيه إلا خاشع، أو خاضع أو مقنع، فينخلع فيه القلب، ويحكم فيه الرب، ويعظم فيه الكرب، ويشيب فيه الصغير، ويعزل فيه الملك والوزير، يوم (٢٣:٨٩ {يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ، وَأَنّى لَهُ الذِّكْرى؟)،} (٣٠:٣ {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً)}.
وقد استجلبت لك الدعاء، وخلدت لك الثناء، مع براءتى من التهمة.
فليس لى - بحمد الله تعالى - فى أرض الله ضيعة ولا قرية، ولا بينى وبين أحد خصومة، ولا بى - بحمد الله تعالى - فقر ولا فاقة.
فلما سمع «نظام الملك» هذه الموعظة بكى بكاء شديدا، وأمر له بمائة دينار.
فأبى أن يأخذها، وقال: أنا فى ضيافة أمير المؤمنين. ومن يكن فى ضيافة أمير المؤمنين يقبح عليه أن يأخذ عطاء غيره. فقال له: فضّها على الفقراء، فقال:
الفقراء على بابك أكثر منهم على بابى، ولم يأخذ شيئا.
توفى أبو سعد يوم الاثنين ثامن عشرين ربيع الأول، سنة ست وخمسمائة، ودفن من الغد بمقبرة باب حرب. رحمه الله تعالى.
قال ابن الجوزى: حكى أبو المكارم بن رميضاء السقلاطونى قال:
رأيت أبا سعد بن أبى عمامة فى المنام، حين اختصم المسترشد والسلطان محمود، وعليه ثياب بياض فسلمت عليه، وقلت: من أين أقبلت؟ قال: من عند الإمام أحمد بن حنبل، وها هو ورائى، فالتفت فرأيت أحمد بن حنبل، ومعه جماعة من أصحابه، فقلت: إلى أين تقصدون؟ قال: إلى أمير المؤمنين المسترشد بالله لندعو له، فصحبتهم، فانتهينا إلى الحربية إلى مسجد ابن القزوينى. فقال أحمد بن حنبل: ندخل، فأخذ الشيخ معنا، فدخل باب المسجد. فقال: السلام