للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومن معانى كلامه يستمدّ أبو الفرج بن الجوزى فى الوعظ.

فمن ذلك ما قاله فى الفنون:

لقد عظم الله سبحانه الحيوان، لا سيما ابن آدم، حيث أباحه الشرك عند الإكراه، وخوف الضرر على نفسه، فقال: (١٠٦:١٦ {إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ)}.

من قدّم حرمة نفسك على حرمته، حتى أباحك أن تتوقى وتحامى عن نفسك بذكره بما لا ينبغى له سبحانه، لحقيق أن تعظم شعائره، وتوقر أوامره، وزواجره.

وعصم عرضك بإيجاب الحدّ بقذفك، وعصم مالك بقطع مسلم فى سرقته، وأسقط شطر الصلاة لأجل مشقتك، وأقام مسح الخف مقام غسل الرجل؛ إشفاقا عليك من مشقة الخلع واللبس، وأباحك الميتة سدّا لرمقك، وحفظا لصحتك، وزجرك عن مضارك بحد عاجل، ووعيد آجل، وخرق العوائد لأجلك، وأنزل الكتب إليك. أيحسن بك - مع هذا الإكرام - أن ترى على ما نهاك منهمكا، وعما أمرك متنكبا، وعن داعيه معرضا، ولسنته هاجرا، ولداعى عدوك فيه مطيعا؟

يعظمك وهو هو، وتهمل أمره وأنت أنت. هو حطّ رتب عباده لأجلك، وأهبط إلى الأرض من امتنع من سجدة يسجدها لك.

هل عاديت خادما طالت خدمته لك لترك صلاة؟ هل نفيته من دارك للاخلال بفرض، أو لارتكاب نهى؟ فإن لم تعترف العبيد للموالى، فلا أقل من أن تقتضى نفسك للحق سبحانه، اقتضاء المساوى المكافى.

ما أوحش ما تلاعب الشيطان بالإنسان بينا يكون بحضرة الحق، وملائكة السماء سجود له، تترامى به الأحوال والجهالات بالمبدإ والمآل، إلى أن يوجد ساجدا لصورة فى حجر، أو لشجرة من الشجر، أو لشمس أو لقمر، أو لصورة ثور خار، أو لطائر صفر! ما أوحش زوال النعم، وتغيّر الأحوال، والجور بعد الكور!

<<  <  ج: ص:  >  >>