للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لا يليق بهذا الحى الكريم الفاضل على جميع الحيوان أن يرى إلا عابدا لله فى دار التكليف، أو مجاورا لله فى دار الجزاء والتشريف. وما بين ذلك فهو واضع نفسه فى غير مواضعها.

ومن كلامه فى تقرير البعث والمعاد:

والله لا أقنع من الله سبحانه بهذه اللمحة التى مزجت بالعلاقم، ولا أقنع من الأبدى السّرمدىّ، ولا يليق بذا الكرم إلا إدامة النعم. والله ما لوّح بما لوّح إلا وقد أعدّ ما تخافه الآمال. وما قدح أحد فى كمال جود الخالق وإنعامه بأكثر من جحده البعث مع تشريف النفوس، وتعليق القلوب بالإعادة، والجزاء على الأعمال الشاقة، التى هجر القوم فيها اللذّات، فصبروا على البلاء؛ طمعا فى العطاء.

قال: ويدلّ على أنّ لنا إعادة تتضمن بقاء دائما، وعيشا سالما: أنّ أصح الدلالة قد دلّت على كمال الباري سبحانه وتعالى، وخروجه عن النقائص.

وقد استقرينا أفعاله، فرأيناه قد أعدّ كل شئ لشئ. فالسمع للمسموعات، والعين للمبصرات، والأسنان للطحن، والمنخران للشمّ، والمعدة لطبخ الطعام.

وقد بقى للنفس غرض قد عجن فى طينها: وهو البقاء بغير انقطاع، وبلوغ الأغراض من غير أذى. وقد عدمت النفس ذلك فى الدنيا. ثم إنا نرى طالما لم يقابل ولا تقتضى الحكمة لذلك. فينبغى أن يكون لها ذلك فى دار أخرى.

قال: ولأنظر إلى صورة البلى فى القبور، فكم من بداية خالفتها النهاية.

فإن بداية الآدمى والطير ماء مسخّن مستقذر، ومبادى النبات حبّ عفن، ثم يخرج الآدمى والطاوس. وكذلك خروج الموتى بعد اليلى.

قال: وبينا أنا نائم سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة، لاحت لى مقبرة، وكأن قائلا يقول: هذه خيم البلى، على باب الرجاء وعلى الوفاء. قال: وهذا الإلقاء من الله تعالى لكثرة لهجى بالبعث، وتشوفى إلى الاجتماع بالسلف النطاف، وتبرمى من مخالطة السفساف.

<<  <  ج: ص:  >  >>