للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

خرج عنه اختيارات بناها على الأحاديث بناء لا يعرفه أكثرهم. وخرج عنه من دقيق الفقه ما لا تراه لأحد منهم. وذكر مسائل من كلام أحمد، ثم قال:

وما يقصد هذا إلا مبتدع، قد تمزق فؤاده من خمود كلمته، وانتشار علم أحمد، حتى إن أكثر العلماء يقولون: أصلى أصل أحمد، وفرعى فرع فلان. فحسبك بمن يرضى به فى الأصول قدوة.

وكان يقول: هذا المذهب إنما ظلمه أصحابه؛ لأن أصحاب أبى حنيفة والشافعى إذا برع واحد منهم فى العلم تولى القضاء وغيره من الولايات. فكانت الولاية لتدريسه واشتغاله بالعلم. فأما أصحاب أحمد: فإنه قلّ فيهم من تعلق بطرف من العلم إلا ويخرجه ذلك إلى التعبد والتزهد؛ لغلبة الخير على القوم، فينقطعون عن التشاغل بالعلم.

وكان مع ذلك يتكلم كثيرا بلسان الاجتهاد والترجيح، واتباع الدليل الذى يظهر له ويقول: الواجب اتباع الدليل، لا اتباع أحمد.

وكان يخونه قلة بضاعته فى الحديث. فلو كان متضلعا من الحديث والآثار، ومتوسعا فى علومهما لكملت له أدوات الاجتهاد.

وكان اجتماعه بأبى بكر الخطيب، ومن كان فى وقته من أئمة الحفاظ، كأبى نصر بن ماكولا، والحميدى، وغيرهم أولى وأنفع له من الاجتماع بابن الوليد وابن التبان. وتركه لمجالسة مثل هؤلاء هو الذى حرمه علما نافعا فى الحقيقة. ولكن الكمال لله.

وله مسائل كثيرة ينفرد بها، ويخالف فيها المذهب. وقد يخالفه فى بعض تصانيفه، ويوافقه فى بعضها، فإن نظره كثيرا يختلف، واجتهاده يتنوع.

وكان يقول: عندى أن من أكبر فضائل المجتهد: أن يتردد فى الحكم عند تردد الحجة والشبهة فيه. وإذا وقف على أحد المترددين دلّه على أنه ما عرف الشبهة، ومن لا تعترضه شبهة لا تصفو له حجة. وكل قلب لا يقرعه التردد،

<<  <  ج: ص:  >  >>