فإذا الشيخ عبد القادر ممن انتهت إليه الرئاسة بها علما وعملا ومالا واستفتاء.
وكان يكفى طالب العلم عن قصد غيره؛ من كثرة ما اجتمع فيه من العلوم، والصبر على المشتغلين، وسعة الصدر. وكان ملء العين، وجمع الله فيه أوصافا جميلة، وأحوالا عزيزة، وما رأيت بعده مثله.
وذكر فيه أيضا بإسناده عن موسى بن الشيخ عبد القادر، وقال سمعت:
والدى يقول: خرجت فى بعض سياحاتى إلى البرية ومكثت أياما لا أجد ماء، فاشتد بى العطش فأظلتنى سحابة، ونزل علىّ منها شئ يشبه الندى. فترويت به. ثم رأيت نورا أضاء به الأفق، وبدت لى صورة، ونوديت منها: يا عبد القادر أنا ربك، وقد أحللت لك المحرمات - أو قال: ما حرمت على غيرك - فقلت:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. اخسأ يا لعين، فإذا ذلك النور ظلام، وتلك الصورة دخان، ثم خاطبنى، وقال: يا عبد القادر، نجوت منى بعلمك بحكم ربك وفقهك فى أحوال منازلاتك. ولقد أضللت بمثل هذه الواقعة سبعين من أهل الطريق. فقلت: لربى الفضل والمنة. قال: فقيل له: كيف علمت أنه الشيطان.
قال: بقوله: وقد أحللت لك المحرمات. وهذه الحكاية مشهورة عن الشيخ عبد القادر، فليس الاعتماد فيها على نقل مصنف هذا الكتاب.
وذكر فى هذا الكتاب أيضا من طريق نصر بن عبد الرزاق بن عبد القادر عن أبيه، قال: جاءت فتيا من العجم إلى بغداد، بعد أن عرضت على علماء العراقيين، فلم يتضح لأحد فيها جواب شاف.
وصورتها: ما يقول السادة العلماء فى رجل حلف بالطلاق الثلاث: أنه لا بد أن يعبد الله عزّ وجل عبادة ينفرد بها دون جميع الناس فى وقت تلبسه بها.
فما يفعل من العبادات؟
قال: فأتى بها إلى والدى، فكتب عليها على الفور: يأتى مكة، ويخلى له المطاف، ويطوف أسبوعا وحده، وتنحل يمينه. قال: فما بات المستفتى ببغداد.