للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكان الوزير ابن رئيس الرؤساء، سأل عن مسألة فى الحكمة؟ فقيل له:

إن صدقة الناسخ، له يد قوية فى ذلك، فأنفذها إليه. فكتب فيها جوابا حسنا شافيا، استحسنه الوزير، وسأل عن حاله؟ فأخبر بفقره، فأجرى له ما يقوته، وعلمت الجهة «بنفشا» بحاله - يعنى جهة الخليفة - فصارت تفتقده فى بعض الأوقات، بما يكون بين يديها من الأطعمة الفاخرة والحلوى، فيعجز عن أكله، فيعطيه لمن يبيعه له، فكان ربما شكى حاله لمن يأنس به، فيشنع عليه من له فيه غرض، ويقول: هو يعترض على الأقدار، وينسبه إلى أشياء، الله أعلم بحقيقتها.

قال: وحكى لى بعض أصحابنا، قال: دخل بعض الناس على صدقة، وإلى جانبه مركن، وعليه خرقة مبلولة، قد اجتمع عليها الذباب، فقال له: ما هذا المركن؟ قال: فيه حلوى السكر يابسة، قد نقعتها فى الماء لتلين، وأقدر على أكلها لذهاب أسنانى، وأعجبك أنه لما كانت لى أسنان صحاح قوية لم يقدرنى القدر على التمر، فلما كبرت، وذهبت أسنانى، رزقت هذه الحلوى اليابسة، لأزداد بنظرى إليها، وعجزى عن أكلها حسرة، فكان الناس ينسبونه بهذا الكلام، وبما كان يعلم من العلوم القديمة إلى أشياء، لعله برئ منها.

قلت: يشير بذلك ابن النجار إلى الشيخ أبى الفرج بن الجوزى، فإنه حط عليه فى تاريخه حطا بليغا، وذكر له أشعارا رديئة، تتضمن الحيرة والشك، وكلمات تتضمن الاعتراض على الأقدار، وقال: هذا من جنس اعتراضات ابن الرواندى، ونسبه أيضا إلى تعاطى فواحش، وإلى المسألة من غير حاجة، وأنه خلف ثلاثمائة دينار.

وقال: لما كثر عثورى على هذا منه، وعجز تأويلى له، هجرته سنين، ولم أصل عليه حين مات، والشيخ أبو الفرج رحمه الله ثقة فيما ينقل، وإذا ثبت أو اشتهر عن أحد مثل هذه الأمور، فهاجره وذامه معيب فيما يفعل.

وقال ابن القطيعى: كان بينه وبين ابن الجوزى مباينة شديدة، وكل واحد يقول فى صاحبه مقالة، الله أعلم بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>