للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأما «الذى» فقد استعملت مفردة للجنس، ورجع الضمير تارة إلى لفظها مفردا، وتارة إلى معناها مجموعا، قال تعالى (١٧:٢ {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً. فَلَمّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ، وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ)} فجاء بالضمير مفردا ومجموعا، وقال تعالى (٣٣:٣٩ {وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)} فأعاد الضمير بلفظ الجمع، فكذلك فى قوله «إنما يرحم الله من عباده الرحماء» ولك على هذا الوجه أن تجعل «إن» العاملة، وأن تجعلها بمعنى «نعم» على ما سبق.

الوجه الثانى من وجوه «ما» التى يجوز معها رفع «الرحماء»: أن تكون «ما» نكرة موصوفة فى موضع: فريق أو قبيل، و «يرحم» صفة لها، و «الرحماء» الخبر، والعائد من الصفة إلى الموصوف محذوف، تقديره: إن فريقا يرحمه الله: الرحماء.

فإن قيل: كيف يصح الابتداء بالنكرة، والإخبار بالمعرفة عنها؟

قيل: النكرة هنا قد خصصت بالوصف، والرحماء لا يقصد بهم قصد قوم بأعيانهم. فكان فيه كذلك نوع إيهام. فلما قرنت النكرة هنا بالصفة من المعرفة، وقرنت المعرفة من النكرة بما فيها من إبهام: صح الإخبار بها عنها، على أن كثيرا من النكرات يجرى مجرى المعارف فى باب الأخبار إذا حصلت من ذلك فائدة، والفائدة هنا حاصلة.

الوجه الثالث: أن تكون «ما» مصدرية، وفى تصحيح الإخبار عنها بالرحماء ثلاثة أوجه.

أحدها: أن يكون المصدر هنا بمعنى المفعول، تقديره: إن مرحوم الله من عباده الرحماء. ومنه (١١:٣١ {هذا خَلْقُ اللهِ)} أى مخلوقه. وقال أبو عليّ: لك أن تجعل «ما» من قوله {(وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ)} مصدرية: أى كتمانكم، وكتمانكم بمعنى مكتومكم؛ لأن الكتمان لا يظهر، وإنما يظهر المكتوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>