أحدها: أن تكون «ما» بمعنى الذى، والعائد إليها محذوف، و «الرحماء» خبر «إن» والتقدير: إن الفريق الذى يرحمه الله من عباده الرحماء.
فإن قيل: يلزم من ذلك: أن تكون «ما» هنا لمن يعقل؟
فقيه جوابان. أحدهما: أن «ما» قد استعملت بمعنى «من» كقوله تعالى (٣:٤ {فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ، فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً، أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ)} وهو كثير فى القرآن. ومنه (٥:٩١، ٦ {وَالسَّماءِ وَما بَناها. وَالْأَرْضِ وَما طَحاها)} فى أصح القولين.
وحكى أبو زيد عن العرب: سبحان ما سبّحتنّ له. وسبحان ما سخركن لنا.
والثانى: أن «ما» تقع بمعنى «الذى» بلا خلاف، و «الذى» تستعمل فيمن يعقل، وفيمن لا يعقل. وإنما يعرف ذلك بما يتصل بها، وكذلك فى «ما» لا سيما إذا اتصل بها ما يصير وصفا، وإنما تفترق «ما» و «الذى» فى أن «الذى» يوصف بلفظها، و «ما» لا يوصف بلفظها.
فإن قيل: كيف يصح هذا؟ والرحماء جمع، و «ما» بمعنى «الذى» مفردة، والمفرد لا يخبر عنه بالجمع؟.
قيل:«ما» يجوز أن يخبر عنها بلفظ المفرد تارة، وبلفظ الجمع أخرى، مثل «من» و «كل» قال تعالى (٢٥:٦ {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ)} وقال فى آية أخرى (٤٢:١٠ {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ)} وكذلك قوله تعالى (١١٢:٢ {بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ، وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)} وقال فى «كل»(٨٧:٢٧ {وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ)}، (٩٥:١٩ {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً)} فالإفراد محمول على لفظ «من» و «ما» و «كل» والجمع محمول على معانيها.