وكان محبا للعلم، مكرما لأهله. ولم يزل على طريقة حسنة وسيرة رضية. وكان أثريا سنيا، متمسكا بالحديث، عارفا به.
وقد وقع مرة بينه وبين طائفة من الأصحاب - كأبى البقاء العكبرى ومحى الدين بن عربى - منازعة فى حديث من أحاديث الصفات، وثبت هو على إقراره وإمراره. كما جاء من غير تأويل ولا إنكار. وانتشر الكلام فى ذلك، حتى خرج الأمر من جهة الخلافة بالسكوت من الجهتين، حسما للفتنة.
ولما توفى الخليفة الناصر، وولى ابنه الظاهر - وكان من خيار الخلفاء، وأحسنهم سيرة، وأظهرهم صيانة، وصلاحا وعدلا - أزال المكوس، ورد المظالم، واجتهد فى تنفيذ الأحكام الشرعية على وجهها، حتى قال ابن الأثير:
لو قال القائل: ما ولى بعد عمر بن عبد العزيز مثله لكان هذا القائل صادقا.
وكان رحمه الله يختار لكل ولاية أصلح من يجده. فقلّد أبا صالح - هذا - قضاء القضاة بجميع مملكته، ويقال: إنه لم يقبل إلا بشرط: أن يورث ذوى الأرحام. فقال له: أعط كل ذى حق حقه، واتق الله، ولا تتق أحدا سواه.
وأمره أن يوصل إلى كل من ثبت له حق بطريق شرعى حقّه، من غير مراجعة.
وأرسل إليه بعشرة آلاف دينار يوفى بها ديون من بسجنه من المديونين الذين لا يجدون وفاء.
ولما خلع عليه، وقرئ عهده بجامع قصر الخلافة: أرسل إلى الخليفة ورقة يشكر فيها للخليفة، ويقول: للعبد يرجو من الله تعالى العون على القيام بأعباء تكاليفه. فقد أومأ إلى ذلك قول النبى صلّى الله عليه وسلم «يا عبد الرحمن، لا تسأل الإمارة؛ فإنك إن أوتيتها من غير مسألة أعنت عليها» ويتم هذا الإنعام بأن يجرى على اللفظ الأشرف: قلدت نصر بن عبد الرزاق بن عبد القادر الجبلى ما يقوى عليه؛ ليصح العمل والحكم شرعا.
ثم رد إليه النظر فى جميع الوقوف العامة: وقوف المدارس الشافعية والحنفية