بيته متوفرا على العبادة والرواية، ولم يتدنس من الأوقاف بشئ، بل هو وقف على مدرسة عمه الحافظ ضياء الدين من ماله، حدث من بعد العشرين والستمائة، وسمع منه الحفاظ والمتقدمون عمر بن الحاجب - ومات سنة ثلاثين وستمائة - والحافظ زكى الدين المنذرى، والرشيد العطار، حافظ الديار المصرية، وتكاثر عليه الطلبة من نحو الخمسين والستمائة، وازدحموا بعد الثمانين، حتى كان يكون لهم فى اليوم الواحد عليه ثلاثة مواعيد.
وحدث بالغزوات أيام الملك الظاهر، وخرج له أبو القاسم على بن بلبان مشيخة حدث بها، سمعناها من أبى عبد الله محمد بن الخباز عنه.
وفى آخر عمره: خرج له الحافظ بن الظاهرى مشيخة بمصر، وأرسلها مع البريد ففودى لها بدمشق، وفوّه بذكرها المحدثون والفقهاء، وسارعوا إلى سماعها، وجمع لها صبيان كثير، وانتدب لقراءتها الشيخ شرف الدين الفزارى، فقرأها فى ثلاثة مجالس، اجتمع لها فى المجلس الأخير: ألف نفس أو أكثر، ولم يعهد فى هذه الأزمان مثل ذلك، ثم حدث بها مرارا عديدة. ورحل إليه الحفاظ والطلبة من الأقطار. وتكاثرت عليه الإجازات من أطراف البلاد، ولزمه المحدثون.
قال الذهبى: لا يدرى ما قرأه عليه الموصلى والمزى من الكتب والأجزاء.
فأما البرزالى، فقال: سمعت منه بقراءتى عليه وقراءة غيرى ثلاثة وعشرين مجلدا، وأكثر من خمسمائة جزء.
وممن سمع منه من الحفاظ والأكابر: الدمياطى، وابن دقيق العيد، والحارثى، والقاضى تقى الدين سليمان بن حمزة، والشيخ شمس الدين بن الكمال - قرأ عليه عدة أجزاء، ومات قبله - والشيخ تقى الدين ابن تيمية، وابن جماعة. ورحل إليه أبو الفتح بن سيد الناس. فوجده مات قبل وصوله بيومين، فتألم لذلك.