ثم إن المصريين دبروا الحيلة فى أمر الشيخ، ورأوا أنه لا يمكن البحث معه، ولكن يعقد له مجلس، ويدّعى عليه، وتقام عليه الشهادات. وكان القائمون فى ذلك منهم: بيبرس الجاشنكير، الذى تسلطن بعد ذلك، ونصر المنبجى وابن مخلوف قاضى المالكية، فطلب الشيخ على البريد إلى القاهرة، وعقد له ثانى يوم وصوله - وهو ثانى عشرين رمضان سنة خمس وسبعمائة - مجلس بالقلعة، وادّعى عليه عند ابن مخلوف قاضى المالكية، أنه يقول: إن الله تكلم بالقرآن بحرف وصوت، وأنه على العرش بذاته، وأنه يشار إليه بالإشارة الحسية.
وقال المدعى: أطلب تعزيره على ذلك، التعزير البليغ - يشير إلى القتل على مذهب مالك - فقال القاضى: ما تقول يا فقيه؟ فحمد الله وأثنى عليه، فقيل له: أسرع ما جئت لتخطب، فقال: أأمنع من الثناء على الله تعالى؟ فقال القاضى:
أجب، فقد حمدت الله تعالى. فسكت الشيخ، فقال: أجب. فقال الشيخ له:
من هو الحاكم فىّ؟ فأشاروا: القاضى هو الحاكم، فقال الشيخ لابن مخلوف: أنت خصمى، كيف تحكم فىّ؟ وغضب، ومراده: إنّي وإياك متنازعان فى هذه المسائل، فكيف يحكم أحد الخصمين على الآخر فيها؟ فأقيم الشيخ ومعه أخواه، ثم رد الشيخ، وقال: رضيت أن تحكم فىّ، فلم يمكّن من الجلوس، ويقال:
إن أخاه الشيخ شرف الدين ابتهل، ودعا الله عليهم فى حال خروجهم، فمنعه الشيخ، وقال له: بل قل: اللهم هب لهم نورا يهتدون به إلى الحق.
ثم حبسوا فى برج أياما، ونقلوا إلى الجب ليلة عيد الفطر، ثم بعث كتاب سلطانى إلى الشام بالحط على الشيخ، والزم الناس - خصوصا أهل مذهبه - بالرجوع عن عقيدته، والتهديد بالعزل والحبس، ونودى بذلك فى الجامع والأسواق. ثم قرئ الكتاب بسدّة الجامع بعد الجمعة، وحصل أذى كثير للحنابلة بالقاهرة، وحبس بعضهم، وأخذ خطوط بعضهم بالرجوع. وكان قاضيهم الحرانى قليل العلم.