رسالة إلى القاضى: أن يعمل معه ما تقتضيه الشريعة فى ذلك، فقال القاضى: قد قلت له ما يقال لمثله.
ثم إن الدولة خيروه بين أشياء، وهى الإقامة بدمشق، أو بالاسكندرية، بشروط، أو الحبس، فاختار الحبس. فدخل عليه أصحابه فى السفر إلى دمشق، ملتزما ما شرط عليه، فأجابهم، فأركبوه خيل البريد، ثم ردوه فى الغد، وحضر عند القاضى بحضور جماعة من الفقهاء، فقال له بعضهم: ما ترضى الدولة إلا بالحبس. فقال القاضى: وفيه مصلحة له، واستناب التونسى المالكى وأذن له أن يحكم عليه بالحبس، فامتنع، وقال: ما ثبت عليه شئ، فأذن لنور الدين الزواوى المالكى، فتحير، فقال الشيخ: أنا أمضى إلى الحبس، وأتبع ما تقتضيه المصلحة، فقال الزواوى المذكور: فيكون فى موضع يصلح لمثله، فقيل له: ما ترضى الدولة إلا بمسمى الحبس، فأرسل إلى حبس القاضى وأجلس فى الموضع الذى أجلس فيه القاضى تقى الدين ابن بنت الأعز لما حبس، وأذن أن يكون عنده من يخدمه.
وكان جميع ذلك بإشارة نصر المنبجى.
واستمر الشيخ فى الحبس يستفتى ويقصده الناس، ويزورونه، وتأتيه الفتاوى المشكلة من الأمراء وأعيان الناس.
وكان أصحابه يدخلون عليه أولا سرا، ثم شرعوا يتظاهرون بالدخول عليه، فأخرجوه فى سلطنة الششنكير الملقب بالمظفر، إلى الإسكندرية على البريد، وحبس فيها فى برج حسن مضئ متسع، يدخل عليه من شاء، ويمنع هو من شاء» ويخرج إلى الحمام إذا شاء. وكان قد أخرج وحده، وأرجف الأعداء بقتله وتفريقه غير مرة، فضاقت بذلك صدور محبيه بالشام وغيره، وكثر الدعاء له. وبقى فى الإسكندرية مدة سلطنة المظفر.
فلما عاد الملك الناصر إلى السلطنة وتمكن، وأهلك المظفر، وحمل شيخه نصر المنبجى، واشتدت موجدة السلطان على القضاة لمداخلتهم المظفر، وعزل بعضهم: