النسخ إنما يكون فيما تعارض من القول، ولا يمكن الجمع بينه بتأويل، وليس في قول الله عز وجل:{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}[النجم: ٣٩] نص على أنه لا يكتب له ما لم يعمل، ولا على أنه لا يكتب له ما لم يعمل، ولا على أنه لا يكتب له عمل غيره، ولم يعمله لنفسه؛ ألا ترى أنه لو قال تعالى {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}[النجم: ٣٩] أو سعاه له غيره لا لنفسه، أو نوى عمله ولم يعمله، لم يكن كلاما متنافيا.
والآية إنما هي إعلام بما في صحف موسى وإبراهيم عليهما السلام؛ فإن كانت على عمومها في جميع الأحوال فليس هذا حكم أمة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله تعالى قد تفضل عليها بأن كتب لها كثيرا مما لم تعمل، على ما نطق به القرآن، وتظاهرت به الآثار.
من ذلك قول الله عز وجل:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ}[النساء: ٩٥]. فدل على أنه يستوي القاعدون من أولي الضرر مع المجاهدين.
وقال صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته:" إن بالمدينة أقواما، ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا، إلا وهم معكم، حبسهم العذر ".
وقال صلى الله عليه وسلم:" ما من امريء تكون له صلاة بليل يغلبه عليها نوم إلا كتب الله له أجر صلاته ر، وكان نومه عليه صدقة ".
وقال صلى الله عليه وسلم:" ما من داع يدعو إلى هُدى إلا كان له مثل أجر من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ".