الحديث:" ان الحق الذي القاضي به في الجنة هو ذلك الحق " يريد الذي فيه النص، من التاويل الفاسد الذي لا يصح؛ لأنه أخرج بذلك القاضي بالاجتهاد في موضع الاجتهاد عن التقسم الذي قسم به النبي صلى الله عليه وسلم القضاة إلى ثلاثة أقسام، وفي ذلك نسبة التقصير اليه في التقسيم وحاشا له من ذلك، لأنه معصوم ما ينطق عن الهوى، ان هو الا وحي يوحي [اقتباس من سورة النجم الآية: ٣]
وانما حمله على هذا التأويل ما ذهب اليه من أن المجتهد لا يدري أصاب الحكم الواجب عند الله عز وجل، أو أخطأه.
وفي الحديث دليل ظاهر على أن المجتهد مدرك للحق، مصيب للحكم، لأنه لما قسم القضاة على ثلاثة أقسام، فجعل منهم في الجنة الذي عرف الحق فقضى به، علمنا أن قسم الجنة، هم الذين يقضون بما يجوز لهم القضاة به، من نص أو اجماع، أو اجتهاد في موضع الاجتهاد؛ اذ لا يجوز أن يخرج القاضي بالاجتهاد عن هذا القسم، لأن في ذلك نسبة التقصير إلى النبي صلى الله عليه وسلم في التقسيم، ومخالفة الاجماع، لأنه ان لم يكن من أهل الجنة، فهو من اهل النار، اذ ليس بعد الجنة الا النار، ولا بعد الهدى الا الضلال، وكيف يكون من أهل النار من فعل ما تعبد به، بما هو بين أجر واحد وأجرين.
فإذا ثبت أنه من قسم الجنة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه: انه عرف الحق وذلك نص في موضع الخلاف.
فإذا ثبت هذا، ولم يصح القول بخلافه، وجب ألا يحمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا اجتهد الحاكم فأخطأ، فله اجر، على أنه أراد بذلك: أنه أخطأ الحكم عند الله، اذ قد يحتمل أن يكون أراد به انه