واذا ثبتت الاحكام بالسنن للمعاني والعلل، وجب القياس عليها، وقد قال مالك رحمه الله وجميع أصحابه، قياسا على ذلك: ان من بنى في بقعة رجل بغير امره، أو بأمره إلى مدة، فانقضت، ان لصاحب البقعة ان يأخذ نقض الباني بقيمته، ان شاء الله ذلك الباني أو أباه للعلة الجامعة بين ذلك وهي الانتفاع ونفي الضرر.
فإذا وجب بالسنن الثابته في هذه المسائل التي ذكرناه، ان يخرج الرجل عما يملكه من الأموال بغير طيب نفسه ان أبي ان يطوع بذلك لمنفعة رجل واحد، وازالة الضرر عنه، فذلك أوجب في منفعة عامة المسلمين، وازاحة الضرر عن جميعهم، إذ لا يشك احد ولا يتمري ان منفعة الناس بالزيادة في جامعهم الذي يضطرون إلى صلاة الجمعة فيه ولا تجزيهم فيما سواه من المساجد، أكثر وأن الضرر الداخل عليهم في الصلاة في الرحاب المتصلة والطرق المتصلة به إذا ضاق المسجد عليهم، لا سيما عند الطين والمطر، اشد وابين.
وكذلك يجب إذا أدعى أرباب الحوانيت المذكورة انها محبسة عليهم، أثبتوا ذلك أو لم يثبتوه، إذا ابوا من بيعها، ان تؤخذ عنهم بالقيمة، جبرا على ما احبوا أو كرهوا ويؤمرون أن يجعلوا القيمة، التي يأخذونها فيها في حبس مثله؛ من غير ان يقضي بذلك عليهم، على ما روى ابن القاسم عن مالك رحمه الله، اذ لم يختلف قول مالك وجميع اصحابه المتقدمين والمتأخرين ان بيع الحبس القائم جائز؛ ليتوسع به في المسجد الجامع إذا احتيج إلى ذلك، وانما اختلفوا فيما سواه من المساجد، على ما اتت به الروايات عنهم في العتبية والواضحة وغيرها.