الحمد لله رب العالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، وصلى الله على محمد وعلى أهل بيته الطيبين وسلم تسليما، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وبعد ... أعزك الله وأدام توفيقك، وجعلك من المتثبتين فى الدّين، ووقاك الافراط وحبّب إليك الفحص، فإنى لمَّا عارضت شيخنا أبا الحسن، رضى الله عنه، فى كتابه الذى طعن به على خبر الواحد، وقلت فى إثباته وإيجاب قبوله فى المواضع التى ذكرتها، وعلى الشرائط التى بينتها ما وقفت عليه، خفت عليك أن تجاوز الحد فى حسن الظن بأخبار كثير من المنتسبين إلى الحديث، وأن تغتر بانتشار ذكرهم، وبُعد صوتهم عند أصحابهم، فعملت كتابى هذا، وذكرت لك فيه أحوال القوم، وما قاله بعضهم فى بعض دون ما قاله فيهم خصومهم، ووصفوهم به من المناقضة والجهل، والخطأ لتعرف بذللث مقدارهم، وتعلم أن من الواجب اللازم التثبت، وتقديم سوء الظن إلا بما ينظر فيه مما رووه فتجده غير مخالف لكتاب الله الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المجمع عليها، أو لإجماع الأمة التى توعد الله من ابتغى غير سبيلها، أو لعمل الصدر الأول من السلف الصالح رضوان الله عليهم؛ فإنّهم كانوا أعلم بمراد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهم الذين شاهدوا النبى - صلى الله عليه وسلم - وعرفوا الناسخ والمنسوخ، والمتأخر، والسبب، والقصة، واستدلوا بالحال والإشارة، أو للعقل الذى جعله الله حجة على عباده [٢/ب] ليس كالتوحيد والعدل اللذين لا يجوز أن يتغير الحكم فيهما فى حال من الأحوال، ولا على لسان رسول من الرسل، ولا بقول أحد من السلف، ولا بوجه من الوجوه، ولا بسبب من الأسباب، وأنهما إذا كانا كذلك لم يكن للإخبار فيهما عمل أكثر من تأكيد ما يوحيه العقل أو يخيره فيهما والحث على التمسك بذلك.
وتعلم أيضًا أنَّ أصول الكلام المجتمع عليها ليس يجب أن يقبل فيها إلَّا الأخبار المتواترة التى لا يحتاج فيها إلى أسانيد، ولا إلى فلان عن فلان، وكذلك الأمر العام الذى يحتاج إليه الأكثر ليس يقبل فيه إلَّا خبر الجماعة وعمل الأمة، لأن ما يقوله النبى - صلى الله عليه وسلم - فيه يجب أن يكون على حسب الحاجة إليه، وأن خبر الاثنين والثلاثة إذا رووه عن أمثالهم وظهرت عدالتهم، أو وقع حسسن الظن بهم وسلم خبرهم مما ذكرنا، وكان على الشرائط التى وصفنا إنما يقبل فى الفروع وبأكثر الرأى لا باليقين، وكما تقبل شهادة