وحثهم إلى جنة ربهم، وكتابنا هذا ما هو إلَّا مرحلة نقدية متقدمة فى مجال نقد الرجال، وكيفية قبول الخبر، وإن كان الكتاب قد جاء بعده ما هو أقدر منه على النقد وحسن التفنيد، لكن هذا الكتاب فى دائرة التراث والتطور النقدى للحديث يُعَد مرحلة هامة من مراحله فالكتاب يدعو طالب العلم إلى النظر إلى الخبر بعين النقد لا بعين التسليم وعدم التفتيش عن صحته مهما كان راويه ثم يلحق ذلك بعدة تراجم هامة لبعض أعلام الحديث.
وإن اختلفنا مع المصنف فى عديد من النقاط وحملنا عليه بقسوة فى بعض المواضع حين نرد عليه تعصُّبه، فالرجل نسأل الله تعالى أن يأجره على حسن نيته وكريم مقصده فما قصد إلّا نفع الديّن، وإن حاد عن جادّة الطريق شيئًا فهو من أهل الإسلام، بل ومن علمائه المنافحين عنه فى وجه أعدائه، رحم الله المصنف ونفع المسلمين بعلمه اللهم آمين.
* * *
[٢ - بين يدى الكتاب]
قبول الأخبار ومعرفة الرجال، عنوان وضعه المصنِّف لهذا الكتاب وقد نجح فى هذه التسمية إلى حد بعيد، فقد بدأ بباب أورد فيه كثيرًا من الأخبار المروية وفيها فساد بل وتعمد جماعة من رواتها الكذب فيها ودلل على ذلك بأقوال العلماء الأجلَّاء وأهل الدراية والعلم فى هذا المجال، فتراه يورد قولاً لشعبة:"إنك لا تكاد تجد أحدًا فتش هذا الحديث تفتيشى ولا طلبه طلبى، وقد نظرت فيه فوجدته لا يصح منه الثلث"، والباب كله أقوالاً عن علماء ناقدين لغيرهم من أهل الكذب والوضع، أو علماء رجعوا عن نهجهم القديم وهو التدليس أو غيره من طرق الرواية الضعيفة.
ثم يتبع ذلك بباب يوضّح فيه مدى ورع كثير من العلماء عن مجال الرواية والبعد عنها، فمثلاً يورد قولاً لشعبة:"ما شيئًا أخوف علىّ من أن يدخلنى النار من الحديث".
ثم يتبع ذلك بباب يذكر فيه ما يخالف الكتاب والسنة ضاربًا لذلك أمثالاً لأقوال العلماء يوضحون فيه أنّ من الأحاديث ما هو مكذوب ومخالف للسُّنة والكتاب فمثلاً يقول الربيع بن خيثم:"إنّ من هذا الحديث حديثا له ضوء كضوء النهار وإن منه ما عليه ظلمة كظلمة الليل".
ويورد فيه أيضًا أقوالاً لبيان كيف يكون حال الحديث المقبول لدى أهل العلم، فيذكر قول لعلى رضى الله عنه:"إذا حدثتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثًا فظنوا أنه الذى هو أهدى والذى هو أتقى والذى هو أهيأ".