للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَدَمُ جَوَازِ بَيْعِهِ وَإِنْ كَانَ تَدْبِيرًا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ خُصُوصِ الْمَادَّةِ وَذَلِكَ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي، وَهُوَ أَنْتَ حُرٌّ وَارْتِفَاعِ الْمَانِعِ الْمَفْرُوضِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (لِعَدَمِ الْخَطَرِ) فِي كُلٍّ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْغَدِ وَالْمَوْتِ أَمْرٌ كَائِنٌ أَلْبَتَّةَ (فَيَمْتَنِعُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْغَدِ) فِي الْأُولَى (كَمَا يَمْتَنِعُ قَبْلَ الْمَوْتِ) فِي الثَّانِيَةِ (لِانْعِقَادِهِ) أَيْ أَنْتَ حُرٌّ فِي كُلٍّ (سَبَبًا) لِحُرِّيَّةِ الْمُخَاطَبِ (فِي الْحَالِ عَلَى مَا عُرِفَ) مِنْ صَلَاحِيَّتِهِ سَبَبًا نَاجِزًا لِلتَّحْرِيرِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْمَانِعِ لِكَوْنِهِ طَرِيقًا مُفْضِيًا إلَيْهِ مَعَ فَرْضِ انْتِفَاءِ الْمَانِعِ.

(لَكِنَّهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةَ (يُجِيزُونَ بَيْعَهُ) فِي الْأُولَى (قَبْلَ الْغَدِ، وَالْأَجْوِبَةُ) الْمَذْكُورَةُ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا (عَنْهُ) أَيْ عَنْ جَوَازِ بَيْعِهِ فِي الْأُولَى قَبْلَ الْغَدِ وَمَنْعِ بَيْعِهِ فِي الثَّانِيَةِ مُطْلَقًا (لَيْسَتْ بِشَيْءٍ) يُفِيدُ فَرْقًا مُؤَثِّرًا بَيْنَهُمَا لِهَذِهِ التَّفْرِقَةِ بَلْ حَيْثُ خُصِّصَتْ الدَّعْوَى بِجَعْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَى مَا لَا خَطَرَ فِيهِ مِثْلُ الْمُضَافِ فِي ثُبُوتِ سَبَبِهِ فِي الْحَالِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِهِ مُطْلَقًا لِعَدَمِ الْخَطَرِ فِيهِمَا فَلَا جَرَمَ أَنْ ذَكَرَهَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مُتَعَقِّبًا لَهَا فَمِنْهَا مَنْعُ كَوْنِ الْغَدِ كَائِنًا لَا مَحَالَةَ لِجَوَازِ قِيَامِ الْقِيَامَةِ قَبْلَ الْغَدِ وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ بِمَجِيءِ الْغَدِ بَعْدَ وُجُودِ شَرَائِطِ السَّاعَةِ مِنْ خُرُوجِ الدَّجَّالِ وَنُزُولِ عِيسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِمَا أَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ مَجِيءُ الْغَدِ مُحَقَّقٌ كَالْمَوْتِ، وَمِنْهَا أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَغْلَبِ فَيَلْحَقُ الْفَرْدُ النَّادِرُ بِهِ وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّ هَذَا اعْتِرَافٌ بِالْإِيرَادِ عَلَى أَنَّ كَوْنَ التَّعْلِيقِ بِمِثْلِ مَجِيءِ الْغَدِ وَرَأْسِ الشَّهْرِ غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا، وَمِنْهَا أَنَّ التَّعْلِيقَ الَّذِي هُوَ التَّدْبِيرُ وَصِيَّةٌ، وَالْوَصِيَّةُ خِلَافُهُ فِي الْحَالِ كَالْوَارِثَةِ.

وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ، وَالتَّدْبِيرُ الْمُطْلَقُ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْهُ فَلَمْ يَتِمَّ هَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِضَافَةِ وَالتَّعْلِيقِ أَيْضًا قُلْت: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لِلْفَارِقِ بِهَذَا الْفَرْقِ أَنْ يَلْتَزِمَ كَوْنَ أَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ كَإِنْ قَدِمَ فِي يَوْمِ كَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ فِي كَوْنِ أَنْتَ حُرٌّ لَيْسَ سَبَبًا لِلْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ وَحَقِّيَّةِ اسْتِلْزَامِهِ عَدَمَ جَوَازِ التَّعْجِيلِ بِالصَّدَقَةِ فِي مِثْلِ الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَيُوَافِقُهُ مَا فِي شَرْحٍ لِلْبَزْدَوِيِّ فَإِنْ قُلْت فَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ مِتُّ أَوْ إنْ مِتُّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الْإِضَافَةِ قُلْت نَعَمْ هُوَ مِنْ بَابِ الْإِضَافَةِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ جَاءَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَهَذَا لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَعَانِي لَا لِلْأَلْفَاظِ وَعَكْسُهُ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ حِينَ قُدُومِ زَيْدٍ أَوْ حِينَ دُخُولِك الدَّارَ اهـ.

أَقُولُ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُمْ الْحَوَالَةُ بِشَرْطِ مُطَالَبَةِ الْمُحِيلِ كَفَالَةٌ وَالْكَفَالَةُ بِشَرْطِ عَدَمِ مُطَالَبَةِ الْأَصِيلِ حَوَالَةٌ وَمَا فِي نِكَاحِ مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ وَتَعْلِيقُ النِّكَاحِ بِشَرْطٍ مَعْلُومٍ لِلْحَالِ يَجُوزُ وَيَكُونُ تَحْقِيقًا بِأَنْ قَالَ لِلْآخَرِ: زَوِّجْنِي ابْنَتَك فَقَالَ قَدْ زَوَّجْتهَا قَبْلَ هَذَا مِنْ فُلَانٍ فَلَمْ يُصَدِّقْهُ الْخَاطِبُ فَقَالَ أَبُو الْبِنْتِ: إنْ لَمْ أَكُنْ زَوَّجْتهَا مِنْ فُلَانٍ فَقَدْ زَوَّجْتهَا مِنْك وَقَبِلَ الْآخَرُ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ زَوَّجَهَا يَنْعَقِدُ هَذَا النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِشَرْطٍ كَائِنٍ تَحْقِيقٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَانَ السَّمَاءُ فَوْقَنَا، أَوْ الْأَرْضُ تَحْتَنَا فَإِنَّهَا تَطْلُقُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ هَذَا تَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ كَائِنٍ فَيَكُونُ تَنْجِيزًا، وَمَا فِي فَوَائِدِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ قَالَ لِغَرِيمِهِ إنْ كَانَ لِي عَلَيْك دَيْنٌ فَقَدْ أَبْرَأْتُك وَلِلطَّالِبِ عَلَيْهِ كَذَا دِينَارًا صَحَّ الْإِبْرَاءُ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ كَائِنٍ فَيَكُونُ تَنْجِيزًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا عُمِلَ فِيهِ بِجَانِبِ الْمَعْنَى دُونَ الصُّورَةِ فَلَا بِدَعَ فِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُمْ: الْإِضَافَةُ لَا تَمْنَعُ سَبَبِيَّةَ الْمُضَافِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْإِضَافَةُ إلَى مَا لَا خَطَرَ فِيهِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِيهَا وَالتَّعْلِيقُ مَانِعٌ مِنْ سَبَبِيَّةِ الْمُعَلَّقِ فِي الْحَالِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ فِيهِ خَطَرٌ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِيهِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ هَذَا وَإِنَّمَا لَمْ أَقُلْ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِانْعِقَادِهِ سَبَبًا فِي الْحَالِ عَلَى مَا عُرِفَ يَعْنِي فِي بَابِ التَّدْبِيرِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ وَزَوَالِهِ مِنْ الْأَهْلِيَّةِ لَهُمَا وَالْمَوْتُ سَالِبٌ لِهَذِهِ الْأَهْلِيَّةِ فَامْتَنَعَ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ الْمَذْكُورُ حَالَ حَيَاتِهِ سَبَبًا بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَزِمَتْ سَبَبِيَّتُهُ فِي الْحَالِ وَإِلَّا انْتَفَتْ أَصْلًا لَكِنَّهَا لَمْ تَنْتَفِ شَرْعًا فَثَبَتَ مَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ هَذَا وَنَحْوَهُ يُفِيدُ أَنَّ سَبَبِيَّةَ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ لِلْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ إنَّمَا تُثْبِتُ ضَرُورَةَ زَوَالِ الْأَهْلِيَّةِ إذَا وُجِدَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>