مِنْ ذِكْرِهَا وَبَيَانِهَا وَإِنْ كَانَ بِطَرِيقِ الْمَعْنَى فَلِمَ لَا يَجُوزُ إجْرَاؤُهُ عَلَى التَّأْكِيدِ عَلَى أَنَّ جَارَ اللَّهِ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا التَّرْكِيبِ فِي الْكَشَّافِ مِنْهُ قَوْلُهُ فِي قَوْله تَعَالَى {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ} [آل عمران: ١٤] أَيْ الْمُزَيَّنُ لَهُمْ حُبُّهُ مَا هُوَ إلَّا شَهَوَاتٌ لَا غَيْرُ اهـ.
عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْهُ بِالنَّظَرِ إلَى مَا يَقْتَضِيهِ عِلْمُ الْبَلَاغَةِ لَا الْعَرَبِيَّةِ؛ إذْ لَا يَقُومُ دَلِيلٌ عَلَى امْتِنَاعِ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةُ لَا صُورَةً وَلَا مَعْنًى، وَمِنْ ثَمَّةَ سَاغَ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنَّفِينَ مِنْ الْأَعْيَانِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ إلَّا فِيمَا هُوَ مُفَادُهَا فِي الِاسْتِعْمَالِ الْعَرَبِيِّ بِحَسَبِ الْوَضْعِ لُغَةً، وَمِمَّا يَزِيدُهُ وُضُوحًا أَنَّ السَّكَّاكِيَّ شَرَطَ فِي صِحَّةِ مُجَامَعَةِ النَّفْيِ بِلَا الْعَاطِفَةِ لِإِنَّمَا أَنْ لَا يَكُونَ الْوَصْفُ بَعْدَ إنَّمَا مِمَّا لَهُ فِي نَفْسِهِ اخْتِصَاصٌ بِالْمَوْصُوفِ الْمَذْكُورِ وَعَلَّلُوهُ بِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَ الِاخْتِصَاصِ فَهَذَا يُفِيدُ أَنْ لَيْسَ عِلَّةُ الْمَنْعِ كَوْنَ النَّفْيِ مَنْطُوقًا، وَلَا عِلَّةُ الْجَوَازِ كَوْنَهُ مَفْهُومًا عَلَى مَا فِي هَذَا التَّعْلِيلِ مِنْ بَحْثٍ وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَيْضًا انْدِفَاعُ التَّشَبُّثِ بِالْإِمَارَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى أَنَّهُ بِالْمَفْهُومِ لَا بِالْمَنْطُوقِ عَلَى أَنَّا لَسْنَا نَقُولُ: النَّفْيُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ إنَّمَا مَنْطُوقًا كَالْمُسْتَفَادِ مِنْ مَا فِي سَائِرِ الْوُجُوهِ، وَإِنْ قَالُوا: السَّبَبُ فِي إفَادَتِهَا الْقَصْرَ تَضَمُّنُهَا مَعْنَى مَا وَإِلَّا لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَاهِرِ: لَمْ يَعْنُوا بِهِ أَنَّ الْمَعْنَى فِي إنَّمَا هُوَ الْمَعْنَى فِي مَا وَإِلَّا بِعَيْنِهِ وَأَنَّ سَبِيلَهُمَا سَبِيلُ اللَّفْظَيْنِ يُوضَعَانِ لِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَفَرْقٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي الشَّيْءِ مَعْنَى الشَّيْءِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الشَّيْءَ عَلَى الْإِطْلَاقِ
قُلْت: وَمِمَّا يَشْهَدُ بِهَذَا اخْتِلَافُ مَا وَلَا بِمَعْنَى لَيْسَ وَلِنَفْيِ الْجِنْسِ وَلَيْسَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ كَمَا عُرِفَ فِي الْعَرَبِيَّةِ مَعَ أَنَّهُ لَا قَائِلَ بِأَنَّ النَّفْيَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا مَفْهُومٌ، وَلَا مَنْطُوقٌ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ مَنْعُ كَوْنِ النَّفْيِ فِي إنَّمَا غَيْرَ صَرِيحٍ، وَالْإِيجَابِ فِيهَا صَرِيحًا وَأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى دَعْوَى ذَلِكَ بَلْ الْوَجْهُ أَنَّ كُلًّا مَنْطُوقٌ صَرِيحٌ (تَنْبِيهٌ) وَالْأَصَحُّ أَنَّ أَنَمَّا بِالْفَتْحِ كَإِنَّمَا بِالْكَسْرِ
(وَأَمَّا الْحَصْرُ بِاللَّامِ لِلْعُمُومِ) أَيْ الَّتِي لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ الدَّاخِلَةِ عَلَى أَحَدِ جُزْأَيْ الْكَلَامِ سَوَاءٌ كَانَ صِفَةً كَالْعَالِمِ أَوْ اسْمَ جِنْسٍ كَالرَّجُلِ مُقَدَّمًا فِي الذِّكْرِ أَوْ مُؤَخَّرًا فِي الْجُزْءِ الْآخَرِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ أَخَصَّ مِنْهُ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ عَلَمًا كَانَ كَزَيْدٍ أَوْ غَيْرَ عَلَمٍ كَالْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ كَمَا أَشَارَ إلَى جُمْلَةِ هَذَا بِقَوْلِهِ (وَالْآخَرُ أَخَصُّ كَالْعَالِمِ وَالرَّجُلِ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ) لِفَهْمِ ذَلِكَ مِنْهُ ظَاهِرًا حَتَّى إنَّ مَنْ خَالَفَ فِيهِ فَقَدْ ارْتَكَبَ مَا لَا يَحْسُنُ ارْتِكَابُهُ (وَلَوْ نَفَى الْمَفْهُومَ) الْمُخَالِفَ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُهُ عَلَى ثُبُوتِهِ كَمَا سَيَظْهَرُ (بِخِلَافِ) مَا اشْتَمَلَ عَلَى مُسْنَدٍ وَمُسْنَدٍ إلَيْهِ أَحَدُهُمَا عَلَمٌ، وَالْآخَرُ صِفَةٌ مُعَرَّفَةٌ بِالْإِضَافَةِ نَحْوُ (صَدِيقِي زَيْدٌ) فَإِنَّهُ إنَّمَا يُفِيدُ الْحَصْرَ إذَا كَانَ عَلَى هَذَا الْوَضْعِ لَا (إذَا أُخِّرَ) الِاسْمُ الصِّفَةُ عَنْ الْعَلَمِ كَأَنْ يُؤَخَّرَ صَدِيقِي عَنْ زَيْدٍ فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُ الْحَصْرَ حِينَئِذٍ (لِانْتِفَاءِ عُمُومِهِ) أَيْ عُمُومِ الِاسْمِ الصِّفَةِ الْمُضَافِ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَصَدِيقِي فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَإِذَا لَمْ يَحْسُنْ الِاخْتِلَافُ فِي حَصْرِ مَا فِيهِ اللَّامُ كَمَا ذَكَرْنَا لَزِمَ أَنْ لَا يَحْسُنَ الِاخْتِلَافُ فِي إفَادَةِ النَّفْيِ؛ لِأَنَّ الْحَصْرَ مُرَكَّبٌ مِنْ إثْبَاتٍ وَنَفْيٍ (وَيَنْدَرِجُ) كَوْنُ كُلٍّ مِنْ الْمُعَرَّفِ وَصَدِيقِي فِي التَّرْكِيبِ الْخَاصِّ دَالًّا عَلَى النَّفْيِ عَنْ الْغَيْرِ الَّذِي هُوَ جُزْءُ مَعْنَى الْحَصْرِ (فِي بَيَانِ الضَّرُورَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ؛ إذْ ثُبُوتُ الْجِنْسِ بِرُمَّتِهِ لِوَاحِدٍ بِالضَّرُورَةِ يَنْتَفِي عَنْ غَيْرِهِ) فَهُوَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ جَعْلُ جَمِيعِ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْعَالِمُ هُوَ زَيْدٌ وَمَا صَدَقَ عَلَيْهِ زَيْدٌ هُوَ جَمِيعُ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْعَالِمُ فِي: زَيْدٌ الْعَالِمُ، وَالْعَالِمُ زَيْدٌ نَفْيُ وُجُودِ مَا صَدَقَ لِلْعَالِمِ غَيْرِ زَيْدٍ وَمَا صَدَقَ لِزَيْدٍ غَيْرِ الْعَالِمِ ضَرُورَةَ فَرْضِ صِدْقِ كَوْنِ جَمِيعِ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ زَيْدٌ هُوَ الْعَالِمُ وَجَمِيعِ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْعَالِمُ هُوَ زَيْدٌ نَعَمْ إفَادَةُ الْحَصْرِ فِيهِمَا كَغَيْرِهِمَا قَدْ يَكُونُ حَقِيقَةً إمَّا مُطْلَقًا كَ: اللَّهُ الْخَالِقُ، وَالْخَالِقُ اللَّهُ وَخَالِقِي اللَّهُ، وَإِمَّا بِالنَّظَرِ إلَى عُرْفٍ خَاصٍّ مِثْلُ: وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
وَقَدْ يَكُونُ مُبَالَغَةً وَادِّعَاءً كَمَا هُوَ كَثِيرٌ بَثِيرٌ فِي الْمُحَاوَرَاتِ الْخَطَابِيَّةِ إمَّا بِجَعْلِ مَا عَدَا الْمَقْصُورَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ بَلَغَ مِنْ النُّقْصَانِ مَبْلَغًا انْحَطَّ بِهِ عَنْهُ، وَعَنْ أَنْ يُسَمَّى بِهِ فَهُوَ فِيمَا عَدَا الْمَقْصُورَ عَلَيْهِ كَالْعَدَمِ، وَإِمَّا بِجَعْلِ الْمَقْصُورِ عَلَيْهِ قَدْ ارْتَقَى فِي الْكَمَالِ إلَى حَدٍّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute