الْمَوْصُوفِ وَالصِّفَةِ فِيهِمَا وَإِنْ كَانَتْ الْمُطَابَقَةُ الْحَقِيقِيَّةُ مُنْتَفِيَةً بَيْنَهُمَا فِيهِمَا وَلَمْ يَجُزْ الْمِثَالَانِ الْأَوَّلَانِ لِانْتِفَاءِ الْمُطَابَقَةِ بَيْنَ الصِّفَةِ وَالْمَوْصُوفِ فِيهِمَا حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ وَحُكْمًا؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ لَيْسَ فِي حُكْمِ رَجُلٍ وَرَجُلٍ لَا غَيْرُ وَلَا عَاقِلَيْنِ فِي حُكْمِ عَاقِلٍ وَعَاقِلٍ لَا غَيْرُ.
(وَلَا خِلَافَ فِي نَحْوِ) قَوْله تَعَالَى {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: ٤] أَيْ فِي التَّعْبِيرِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ عَمَّا يَنْفَرِدُ مِنْ الشَّيْئَيْنِ إذَا أُضِيفَ إلَيْهِمَا أَوْ إلَى ضَمِيرِهِمَا فِي اللُّغَةِ الْفَصِيحَةِ كَالْقَلْبِ وَالرَّأْسِ وَاللِّسَانِ (ونا) أَيْ وَلَا فِي الضَّمِيرِ الَّذِي يُعَبِّرُ بِهِ الْمُتَكَلِّمُ عَنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا (وَجَمْعٍ) أَيْ وَلَا فِي لَفْظِ جَمْعٍ (أَنَّهُ) أَيْ هَذَا كُلَّهُ (لَيْسَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ بَلْ جَوَازُ إطْلَاقِهِ عَلَى الِاثْنَيْنِ وِفَاقٌ فَالْأَوَّلُ قَالُوا حَذَرًا مِنْ اسْتِثْقَالِ جَمْعِ التَّثْنِيَتَيْنِ وَالثَّانِي لِلِاتِّفَاقِ عَلَى كَوْنِهِ مَوْضُوعًا لِتَعْبِيرِ الْمَرْءِ عَنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ وَاحِدًا كَانَ أَوْ جَمْعًا، وَالثَّالِثُ؛ لِأَنَّهُ ضَمُّ شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ وَهُوَ يَتَحَقَّقُ فِي الِاثْنَيْنِ كَمَا فِيمَا فَوْقَهُمَا (وَلَا) خِلَافَ أَيْضًا فِي أَنَّ (الْوَاوَ فِي ضَرَبُوا مِنْهُ) أَيْ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ وَالْأَوْلَى وَلَا فِي أَنَّ ضَمَائِرَ الْغَيْبَةِ وَالْخِطَابِ لِلْجَمَاعَةِ مِنْهُ كَمَا فِي الْبَدِيعِ فَيَشْمَلُ نَحْوَ قَامُوا وَقُمْنَ وَقُمْتُمْ وَقُمْتُنَّ هَذَا وَفِي التَّلْوِيحِ:
وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا فِي هَذَا الْمَقَامِ بَيْنَ جَمْعِ الْقِلَّةِ وَجَمْعِ الْكَثْرَةِ فَدَلَّ بِظَاهِرِهِ عَلَى أَنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهُمَا إنَّمَا هِيَ فِي جَانِبِ الزِّيَادَةِ بِمَعْنَى أَنَّ جَمْعَ الْقِلَّةِ مُخْتَصٌّ بِالْعَشَرَةِ فَمَا دُونَهَا، وَجَمْعُ الْكَثْرَةِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ لَا أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِمَا فَوْقَ الْعَشَرَةِ، وَهَذَا أَوْفَقُ بِالِاسْتِعْمَالِ، وَإِنْ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ كَثِيرٌ مِنْ الثِّقَاتِ اهـ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا كَمَا رَأَيْت وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَيَجْمَعُ جُمُوعَ الْقِلَّةِ قَوْلُ الشَّاعِرِ
بِأَفْعُلٍ ثُمَّ أَفْعَالٍ وَأَفْعِلَةٍ ... وَفِعْلَةٍ يُعْرَفُ الْأَدْنَى مِنْ الْعَدَدِ
وَسَالِمُ الْجَمْعِ أَيْضًا دَاخِلٌ مَعَهَا ... فَهَذِهِ الْخَمْسُ فَاحْفَظْهَا وَلَا تَزِدْ
(تَنْبِيهٌ لَمْ تَزِدْ الشَّافِعِيَّةُ فِي صِيَغِ الْعُمُومِ عَلَى إثْبَاتِهَا، وَفَصَّلَهَا الْحَنَفِيَّةُ إلَى عَامٍّ بِصِيغَتِهِ وَمَعْنَاهُ) بِأَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مَجْمُوعًا وَالْمَعْنَى مُسْتَوْعَبًا (وَهُوَ الْجَمْعُ الْمُحَلَّى لِلِاسْتِغْرَاقِ) يَعْنِي عِنْدَ شَارِطِيهِ فِي الْعُمُومِ، وَإِلَّا فَهُوَ عِنْدَ مَنْ لَمْ يَشْرُطْهُ فِيهِ مِنْهُمْ الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ حَتَّى قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ: اللَّامُ فِي قَوْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ مِثْلُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ لِتَحْسِينِ الْكَلَامِ، وَمُرَادُهُ الْجُمُوعُ الْمُنَكَّرَةُ (وَ) إلَى عَامٍّ (بِمَعْنَاهُ) فَقَطْ بِأَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مُفْرَدًا مُسْتَوْعِبًا لِكُلِّ مَا يَتَنَاوَلُهُ (وَهُوَ الْمُفْرَدُ الْمُحَلَّى كَالرَّجُلِ وَالنَّكِرَةِ فِي النَّفْيِ وَالنِّسَاءِ وَالْقَوْمِ وَالرَّهْطِ وَمَنْ وَمَا وَأَيْ مُضَافَةً وَكُلٌّ وَجَمِيعٌ) وَقَدْ قُسِّمَ هَذَا ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ الْأَوَّلُ مَا يَتَنَاوَلُ مَجْمُوعَ الْأَفْرَادِ فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِمَجْمُوعِهَا لَا بِكُلِّ فَرْدٍ عَلَى الِانْفِرَادِ وَحَيْثُ يَثْبُتُ لِلْوَاحِدِ فَلِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْمَجْمُوعِ كَالرَّهْطِ اسْمٌ لِمَا دُونَ الْعَشَرَةِ مِنْ الرِّجَالِ وَالْقَوْمِ لِجَمَاعَةِ الرِّجَالِ فَاللَّفْظُ فِيهِمَا مُفْرَدٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُثَنَّى وَيُجْمَعُ وَيُوَحَّدُ الضَّمِيرُ الْعَائِدُ إلَيْهِ وَهُوَ مُتَنَاوِلٌ لِجَمِيعِ آحَادِهِ لَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ وَاحِدٌ حَتَّى لَوْ قَالَ الرَّهْطُ أَوْ الْقَوْمُ الَّذِي يَدْخُلُ الْحِصْنَ فَلَهُ كَذَا فَدَخَلَهُ جَمَاعَةٌ كَانَ النَّفَلُ لِمَجْمُوعِهِمْ وَلَوْ دَخَلَهُ وَاحِدٌ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا (تَنْبِيهٌ) وَالْمُصَنِّفُ فِي ذِكْرِهِ النِّسَاءَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مُوَافِقٌ لِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَعَدَّهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي آخَرَيْنِ مِنْ الْأَوَّلِ، وَكَأَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ اسْمُ جَمْعٍ أَوْ جَمْعٌ فَمَنْ قَالَ: اسْمُ جَمْعٍ عَدَّهُ مِنْ الثَّانِي، وَمَنْ قَالَ: جَمْعٌ عَدَّهُ مِنْ الْأَوَّلِ، وَالْكَثِيرُ عَلَى أَنَّهُ جَمْعٌ، وَفِي ذِكْرِهِ الْقَوْمَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مُوَافِقٌ لِجَمِيعِهِمْ ثُمَّ فِي التَّلْوِيحِ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْقَوْمَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ قَامَ فَوُصِفَ بِهِ ثُمَّ غَلَبَ عَلَى الرِّجَالِ لِقِيَامِهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute