بِأُمُورِ النِّسَاءِ ذَكَرَهُ فِي الْفَائِقِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا تَأْوِيلَ مَا يُقَالُ: إنَّ قَوْمًا جَمْعُ قَائِمٍ كَصُوَّمٍ جَمْعُ صَائِمٍ وَإِلَّا فَفَعْلٌ لَيْسَ مِنْ أَبْنِيَةِ الْجَمْعِ
قُلْت: لَكِنْ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّهُ يَنْبُو عَنْهُ مَا فِي الْكَشَّافِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ جَمْعُ قَائِمٍ كَصُوَّمٍ وَزُوَّرٍ فِي جَمْعِ صَائِمٍ وَزَائِرٍ، أَوْ تَسْمِيَةٌ بِالْمَصْدَرِ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ إذَا أَكَلْت طَعَامًا أَحْبَبْت نَوْمًا وَأَبْغَضْت قَوْمًا أَيْ قِيَامًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
الثَّانِي مَا يَتَنَاوَلُ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى سَبِيلِ الشُّمُولِ فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مُجْتَمِعًا مَعَ غَيْرِهِ أَوْ مُنْفَرِدًا عَنْهُ مِثْلُ مَنْ دَخَلَ هَذَا الْحِصْنَ فَلَهُ دِرْهَمٌ فَلَوْ دَخَلَهُ وَاحِدٌ اسْتَحَقَّ دِرْهَمًا وَلَوْ دَخَلَ جَمَاعَةٌ مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبِينَ اسْتَحَقَّ كُلُّ وَاحِدٍ دِرْهَمًا
الثَّالِثُ مَا يَتَنَاوَلُ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِكُلٍّ بِشَرْطِ الِانْفِرَادِ وَعَدَمِ التَّعَلُّقِ بِوَاحِدٍ آخَرَ مِثْلُ مَنْ دَخَلَ هَذَا الْحِصْنَ أَوَّلًا فَلَهُ دِرْهَمٌ فَمَنْ دَخَلَهُ أَوَّلًا مُنْفَرِدًا اسْتَحَقَّ الدِّرْهَمَ، وَلَوْ دَخَلُوهُ مَعًا لَمْ يَسْتَحِقُّوا شَيْئًا وَمُتَعَاقِبِينَ اسْتَحَقَّ الْوَاحِدُ السَّابِقُ لَا غَيْرُ (فَانْقَسَمَ الْعُمُومُ) بِوَاسِطَةِ هَذَا التَّفْصِيلِ فِي صِيَغِهِ (إلَى صِيَغِيٍّ وَمَعْنَوِيٍّ) وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الْعَامُّ عَامًّا بِصِيغَتِهِ فَقَطْ؛ إذْ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِيعَابِ الْمَعْنَى، وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَلَا عَلَيْنَا أَنْ نُشْبِعَ الْكَلَامَ مُفَصَّلًا فِيمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْهُ فَنَقُولُ (أَمَّا الْجَمْعُ الْمُحَلَّى فَاسْتِغْرَاقُهُ كَالْمُفْرَدِ لِكُلِّ فَرْدٍ لِمَا تَقَدَّمَ) فِي ذَيْلِ الْكَلَامِ فِي تَعْرِيفِ الْعَامِّ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَئِمَّةِ الْأُصُولِ وَالْعَرَبِيَّةِ، وَصَرَّحَ بِهِ أَئِمَّةُ التَّفْسِيرِ فِي كُلِّ مَا وَقَعَ فِي التَّنْزِيلِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ (وَمَا قِيلَ) كَمَا فِي الْمِفْتَاحِ وَتَلْخِيصِهِ وَغَيْرِهِمَا (اسْتِغْرَاقُ الْمُفْرَدِ أَشْمَلُ) مِنْ اسْتِغْرَاقِ الْجَمْعِ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ كُلَّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ، وَاسْتِغْرَاقُ الْجَمْعِ يَتَنَاوَلُ كُلَّ جَمَاعَةٍ جَمَاعَةٍ، وَلَا يُنَافِي خُرُوجَ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ.
(فَفِي النَّفْيِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَا يَسْلُبُهُ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ إلَى الْجِنْسِيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ فَإِنَّمَا يَتَسَلَّطُ النَّفْيُ عَلَى الْجَمْعِ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْوَاحِدِ بِخِلَافِ الْمُفْرَدِ فِي النَّفْيِ (أَوْ الْمُرَادُ أَنَّهُ بِلَا وَاسِطَةٍ الْجَمْعُ) يَعْنِي إذَا لَمْ يُقَيَّدْ بِالنَّفْيِ فَأَشْمَلِيَّتُهُ بِسَبَبِ أَنَّ تَعَلُّقَ الْحُكْمِ بِالْوَاحِدِ فِي الْمُفْرَدِ ابْتِدَاءٌ، وَفِي الْجَمْعِ بِوَاسِطَةٍ تُعَلِّقُهُ بِالْجَمْعِ فَتُعَلَّقُ بِآحَادِهِ بِحُكْمِ اللُّغَةِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ بِكَوْنِ اسْتِغْرَاقِهِ أَشْمَلَ أَحَدَ هَذَيْنِ (فَمَمْنُوعٌ) كَوْنُهُ كَذَلِكَ ثُمَّ تَعَقَّبَهُمَا بِقَوْلِهِ (وَمَا تَقَدَّمَ) فِي ذَيْلِ الْكَلَامِ عَلَى تَعْرِيفِ الْعَامِّ (يَنْفِي كَوْنَهُ) أَيْ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالْمُفْرَدِ فِي الْجَمْعِ (بِوَاسِطَةِ الْجَمْعِ وَأَشْمَلِيَّتِهِ) أَيْ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنْ لَا رِجَالَ كَ لَا رَجُلٌ مِنْ حَيْثُ جَوَازُ التَّخْصِيصِ فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لَا رَجُلٌ بَلْ رَجُلَانِ كَمَا يَصِحُّ لَا رِجَالَ بَلْ رَجُلَانِ يَنْفِي كَوْنَ اسْتِغْرَاقِ الْمُفْرَدِ (فِي النَّفْيِ) أَشْمَلَ مِنْ اسْتِغْرَاقِ الْجَمْعِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا كَانَ مُخَيَّلًا بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ التَّخْصِيصِ فِي لَا رِجَالَ لَا فِي لَا رَجُلٌ.
وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهُمَا فِيهِ مُتَسَاوِيَا الْأَقْدَامِ (وَلِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى: الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ وَاللُّغَةُ عَلَى صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ) مِنْ اسْتِثْنَاءِ الْمُفْرَدِ مِنْ الْجَمْعِ وَبِهِ عُرِفَ أَنَّ صِحَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ الْمَجْعُولَةَ دَلِيلًا عَلَى اسْتِغْرَاقِ الْجَمْعِ الْمُحَلَّى كَالْمُفْرَدِ يُرَادُ بِهَا اسْتِثْنَاءُ الْمُفْرَدِ (وَعَنْهُ) أَيْ كَوْنِ اسْتِغْرَاقِ الْجَمْعِ الْمُحَلَّى لِكُلِّ فَرْدٍ كَالْمُفْرَدِ (قَالُوا) أَيْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ قَوْله تَعَالَى {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: ١٠٣] سَلْبُ الْعُمُومِ) أَيْ نَفْيُ الشُّمُولِ وَرَفْعُ الْإِيجَابِ الْكُلِّيِّ وَهُوَ تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ؛ لِأَنَّهُ نَقِيضُ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ (لَا عُمُومُ السَّلْبِ) أَيْ شُمُولُ النَّفْيِ لِكُلِّ بَصَرٍ لِيَكُونَ سَلْبًا كُلِّيًّا، وَهُوَ لَا يُدْرِكُهُ بَصَرٌ مِنْ الْأَبْصَارِ ثُمَّ فَسَّرَ شُمُولَ النَّفْيِ أَيْضًا إيضَاحًا فَقَالَ (أَيْ لَا يُدْرِكُهُ كُلُّ بَصَرٍ) كَمَا هُوَ مَعْنَى الِاسْتِغْرَاقِ (وَهُوَ) أَيْ سَلْبُ الْعُمُومِ سَلْبٌ (جُزْئِيٌّ) لِأَنَّ نَقِيضَ الْمُوجِبَةِ الْكُلِّيَّةِ السَّالِبَةُ الْجُزْئِيَّةُ.
(فَجَازَ لِبَعْضِهَا) أَيْ الْأَبْصَارِ إدْرَاكُهُ لَكِنْ نُظِرَ فِيهِ بِأَنَّ الْآيَةَ وَمَا قَبْلَهَا فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute