حَيْثُ حَطَّ كَلَامُ شَيْخِنَا الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَلَى تَرْجِيحِ قَوْلِهِمَا فَلَا بَأْسَ بِذِكْرِهِ لِإِفَادَتِهِ مَعَ الْإِشَارَةِ إلَى التَّوْجِيهِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فِي ضِمْنِهِ قَالَ: نَعَمْ لِقَائِلٍ أَنْ يُرَجِّحَ قَوْلَهُمَا فِي الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ بِأَنَّ عَهْدَهُمَا أَعْهَدُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ عَهْدِيَّةَ الْعَشَرَةِ إنَّمَا هُوَ لِلْجَمْعِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى مَادَّةٍ خَاصَّةٍ يَعْنِي: الْجَمْعُ مُطْلَقًا عَهْدٌ لِلْعَشَرَةِ فَإِذَا عَرَضَ فِي خُصُوصِ مَادَّةٍ مِنْ الْجَمْعِ كَالْأَيَّامِ عَهْدِيَّةُ عَدَدٍ غَيْرِهِ كَانَ اعْتِبَارُ هَذَا الْمَعْهُودِ أَوْلَى، وَقَدْ عُهِدَ فِي الْأَيَّامِ السَّبْعَةُ، وَفِي الشُّهُورِ الِاثْنَا عَشَرَ فَيَكُونُ صَرْفُ خُصُوصِ هَذَيْنِ الْجَمْعَيْنِ إلَيْهِمَا أَوْلَى بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْجُمُوعِ كَالسِّنِينَ وَالْأَزْمِنَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ فِي مَادَّتَيْهِمَا عَدَدٌ آخَرُ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا اسْتَقَرَّ لِلْجَمْعِ مُطْلَقًا مِنْ إرَادَةِ الْعَشَرَةِ فَمَا دُونَهَا فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ مُغَالَطَةٌ فَإِنَّ السَّبْعَةَ الْمَعْهُودَةَ نَفْسُ الْأَزْمِنَةِ الْخَاصَّةِ الْمُسَمَّاةِ بِيَوْمِ السَّبْتِ وَيَوْمِ الْأَحَدِ إلَى آخِرِهِ.
وَالْكَلَامُ فِي لَفْظِ أَيَّامٍ إذَا أُطْلِقَ هَلْ عُهِدَ مِنْهُ تِلْكَ الْأَزْمِنَةُ الْخَاصَّةُ لِلسَّبْعَةِ لَا شَكَّ فِي عَدَمِ ثُبُوتِهِ فِي الِاسْتِعْمَالِ إذْ لَمْ يَثْبُتْ كَثْرَةُ إطْلَاقِ أَيَّامٍ وَشُهُورٍ، وَيُرَادُ يَوْمُ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ إلَى الْجُمُعَةِ وَالْمُحَرَّمِ وَصَفَرٍ إلَى آخِرِهَا عَلَى الْخُصُوصِ بَلْ الْأَزْمِنَةُ الْخَاصَّةُ الْمُسَمَّيَاتُ مُتَكَرِّرَةً وَغَيْرَ مُتَكَرِّرَةٍ وَغَيْرَ بَالِغَةٍ السَّبْعَةَ بِحَسَبِ الْمُرَادَاتِ لِلْمُتَكَلِّمِينَ فَالْجَوَابُ مَنْعُ تَوَقُّفِ انْصِرَافِ اللَّامِ إلَى الْعَهْدِ عَلَى تَقَدُّمِ الْعَهْدِ عَنْ لَفْظِ النَّكِرَةِ بَلْ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ بَلْ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَقَدُّمِ الْعَهْدِ بِالْمَعْنَى عَنْ اللَّفْظِ أَوْ لَا عَنْهُ فَإِنَّهُ إذَا صَارَ الْمَعْنَى مَعْهُودًا بِأَيِّ طَرِيقٍ فُرِضَ ثُمَّ أُطْلِقَ اللَّفْظُ الصَّالِحُ لَهُ مُعَرَّفًا بِاللَّامِ انْصَرَفَ إلَيْهِ وَقَدْ قَسَّمَ الْمُحَقِّقُونَ الْعَهْدَ إلَى ذِكْرِيٍّ وَعِلْمِيٍّ، وَمُثِّلَ لِلثَّانِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة: ٤٠] فَإِنَّ ذَاتَ الْغَارِ هِيَ الْمَعْهُودُ لَا مِنْ لَفْظٍ سَبَقَ ذِكْرُهُ بَلْ مِنْ وُجُودٍ فِيهِ وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ جَعْلُ مَا سَمَّاهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ بِالْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ أَعَمَّ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ أَوْ عُهِدَ بِغَيْرِهِ كَمَا ذَكَرْنَا.
وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُنَا: الْعَامُّ يُخَصُّ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ فَإِنَّ الْعَادَةَ لَيْسَتْ إلَّا عَمَلًا عَهْدًا مُسْتَمِرًّا ثُمَّ يُطْلَقُ اللَّفْظُ الَّذِي يَعُمُّهَا وَغَيْرَهَا فَيُقَيَّدُ بِهَا لِعَهْدِيَّتِهَا عَمَلًا لَا لَفْظًا وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ (وَخَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي مِنْ الدَّرَاهِمِ) فَخَالَعَهَا عَلَى ذَلِكَ (وَلَا شَيْءَ) بِيَدِهَا (لَزِمَهَا ثَلَاثَةٌ) مِنْ الدَّرَاهِمِ لِإِمْكَانِ الْعَهْدِ فِي الدَّرَاهِمِ فَإِنَّ عَلَى مَا فِي يَدِي أَفَادَ كَوْنَ الْمُسَمَّى مَظْرُوفَ يَدِهَا، وَهُوَ عَامٌّ يَصْدُقُ عَلَى الدَّرَاهِمِ وَغَيْرِهَا فَصَارَ بِالدَّرَاهِمِ عَهْدٌ فِي الْجُمْلَةِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مِنْ مَا صَدَقَاتِ لَفْظِ مَا وَهُوَ مُبْهَمٌ، وَلَفْظَةُ مِنْ وَقَعَتْ بَيَانًا وَمَدْخُولُهَا، وَهُوَ الدَّرَاهِمُ هُوَ الْمُبَيِّنُ لِخُصُوصِ الْمَظْرُوفِ فَصَارَ كَلَفْظِ الذَّكَرِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى} [آل عمران: ٣٦] لِلْعَهْدِ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِ فِي قَوْلِهِ {مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} [آل عمران: ٣٥] وَإِنْ كَانَ يُخَالِفُهُ فِي كَوْنِ مَدْخُولِ اللَّامِ هُنَا وَقَعَ بَيَانًا لِلْمَعْهُودِ بِخِلَافِهِ فِي {وَلَيْسَ الذَّكَرُ} [آل عمران: ٣٦] لِأَنَّ الْمُرَادَ بِلَفْظِ مَا فِيهِ مُتَعَيَّنٌ؛ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ لِلْبَيْعَةِ إنَّمَا هُوَ الذَّكَرُ ثُمَّ هُوَ جَمْعٌ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ فَيَلْزَمُ أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
(وَلَا شَكَّ أَنَّ تَعْرِيفَ الْجِنْسِ الَّذِي اُسْتُدِلَّ عَلَى ثُبُوتِهِ) وَالْمُسْتَدِلُّ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ (بِإِطْبَاقِ الْعَرَبِ عَلَى يَلْبَسُ الْبُرُودَ وَيَرْكَبُ الْخَيْلَ وَيَخْدُمُهُ الْعَبِيدُ) لِلْقَطْعِ بِأَنْ لَيْسَ الْقَصْدُ إلَى خُصُوصٍ مِنْهَا، وَلَا اسْتِغْرَاقٍ لَهَا (هُوَ الْمُرَادُ بِالْمَعْهُودِ الذِّهْنِيِّ؛ إذْ هُوَ) أَيْ الْمَعْهُودُ الذِّهْنِيُّ (الْإِشَارَةُ إلَى الْحَقِيقَةِ بِاعْتِبَارِهَا) أَيْ الْحَقِيقَةِ (بَعْضَ الْأَفْرَادِ) حَالَ كَوْنِ بَعْضِ الْأَفْرَادِ (غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ لِلْعَهْدِيَّةِ الذِّهْنِيَّةِ لِجِنْسِهَا) أَيْ لِعَهْدِ جِنْسِ حَقِيقَةِ الْأَفْرَادِ فِي الذِّهْنِ (وَيَصْدُقُ) الْجِنْسُ (عَلَى الرِّجَالِ مُرَادًا بِهِ عَدَدٌ) أَيْ بَعْضُ الْأَفْرَادِ، فَإِذَا الْمُرَادُ بِكَوْنِهَا لِلْجِنْسِ وَالْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ وَاحِدٌ (وَالتَّعْبِيرُ بِالْحِصَّةِ) مِنْ الْحَقِيقَةِ عَنْ الْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ كَمَا وَقَعَ فِي عِبَارَتِهِمْ (غَيْرُ جَيِّدٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ إيهَامِ تَجَزُّئِهَا، وَهِيَ غَيْرُ مُتَجَزِّئَةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute