للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنَّمَا لَهَا مَظَاهِرُ مُتَعَدِّدَةٌ تُوجَدُ فِي كُلٍّ مِنْهَا عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ فَانْدَفَعَ إثْبَاتُ التَّغَايُرِ بَيْنَ تَعْرِيفَيْ الْحَقِيقَةِ وَالْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ بِأَنَّ الْإِشَارَةَ إلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ حَيْثُ الْحُضُورُ تَعْرِيفُ الْحَقِيقَةِ وَإِلَى الْحِصَّةِ مِنْهَا تَعْرِيفُ الْعَهْدِ، وَالْمُرَادُ بِالْحِصَّةِ الْفَرْدُ مِنْهَا وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ لَا مُجَرَّدُ مَا يَكُونُ أَخَصَّ مِنْهَا، وَلَوْ بِاعْتِبَارِ وَصْفٍ اعْتِبَارِيٍّ حَتَّى يُقَالَ: الْحَقِيقَةُ مَعَ قَيْدِ الْحُضُورِ حِصَّةٌ مِنْ الْحَقِيقَةِ فَيَكُونُ مَعْهُودًا فَلَا يَحْصُلُ الِامْتِيَازُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا يَنْدَفِعُ التَّغَايُرُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ أَنَّ مَعْنَى تَعْرِيفِ الْعَهْدِ الْقَصْدُ وَالْإِشَارَةُ إلَى الْحَاضِرِ فِي الذِّهْنِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ حَاضِرٌ حُضُورًا حَقِيقِيًّا بِأَنْ يَكُونَ مَذْكُورًا بِاسْمِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ كَ انْطَلَقَ رَجُلٌ فَالرَّجُلُ أَوْ الْمُنْطَلِقُ كَذَا أَوْ فِي حُكْمِ الْمَذْكُورِ بِلَا تَجَوُّزٍ وَاعْتِبَارٍ خِطَابِيٍّ كَ أَغْلِقْ الْبَابَ لِمَنْ دَخَلَ الْبَيْتَ، وَادْخُلْ السُّوقَ لِمَنْ دَخَلَ الْبَلَدَ لِسُوقٍ مُعَيَّنٍ عَهِدْته أَوْ تَقْدِيرِيًّا بِأَنْ يُنَزَّلَ مَنْزِلَةَ الْحَاضِرِ الْمَعْهُودِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ الْخِطَابِيَّاتِ كَكَوْنِ ذَلِكَ الشَّيْءِ مُحْتَاجًا إلَيْهِ كَجَوْهَرِيِّ الثَّمَنِ وَالْمَأْكُولَاتِ الْمُعْتَادَةِ الْغَالِبَةِ أَوْ مَحْبُوبًا أَوْ بَدِيعًا أَوْ فَظِيعًا فَيُهْتَمُّ بِشَأْنِهِ فَيُجْعَلُ كَالْحَاضِرِ.

وَإِلَى هَذَا الْقِسْمِ يَرْجِعُ تَعْرِيفُ الْحَقِيقَةِ، وَأَمَّا أَنَّ ذَلِكَ الْحَاضِرَ هُوَ الْحَقِيقَةُ أَوْ حِصَّةٌ مِنْهَا فَأَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ حَقِيقَةِ تَعْرِيفِ الْعَهْدِ بَلْ هُوَ اخْتِلَافٌ رَاجِعٌ إلَى مَعْرُوضِ التَّعْرِيفِ، وَهُوَ الْحَاضِرُ لَا إلَى مَعْنَى التَّعْرِيفِ، وَهُوَ الْإِشَارَةُ إلَى الْحُضُورِ فَلَوْ اُعْتُبِرَ خُصُوصِيَّةُ الْحَاضِرِ وَسُمِّيَ الْإِشَارَةُ إلَى حُضُورِ الْحَقِيقَةِ تَعْرِيفَ الْحَقِيقَةِ، وَإِلَى حُضُورِ الْحِصَّةِ تَعْرِيفَ الْعَهْدِ كَانَ ذَلِكَ امْتِيَازًا بِمُجَرَّدِ اصْطِلَاحٍ، وَالْكَلَامُ فِي تَحْقِيقِ مَاهِيَّةِ تَعْرِيفِ الْحَقِيقَةِ وَامْتِيَازِهَا فِي نَفْسِهَا عَنْ تَعْرِيفِ الْعَهْدِ فَلْيُتَأَمَّلْ (وَعَنْهُ) أَيْ كَوْنِهَا لِلْجِنْسِ (لِتَعَيُّنِهِ وَجَبَ مِنْ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: ٦٠] جَوَازُ الصَّرْفِ لِوَاحِدٍ وَتَنَصُّفُ الْمُوصَى بِهِ لِزَيْدٍ وَلِلْفُقَرَاءِ) فَنِصْفٌ لَهُ وَنِصْفٌ لَهُمْ (وَأُجْمِعَ عَلَى الْحِنْثِ بِفَرْدٍ فِي الْحَلِفِ لَا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ وَلَا يَشْتَرِي الْعَبِيدَ) لِأَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ حَقِيقَةٌ فِي الْوَاحِدِ بِمَنْزِلَةِ الثَّلَاثَةِ فِي الْجَمْعِ حَتَّى إنَّهُ حِينَ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ الرِّجَالِ غَيْرُ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَتْ حَقِيقَةُ الْجِنْسِ مُتَحَقِّقَةً فَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِكَثْرَةِ أَفْرَادِهِ، وَالْوَاحِدُ هُوَ الْمُتَيَقَّنُ فَيُعْمَلُ بِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَعَدَمِ الِاسْتِغْرَاقِ (إلَّا بِنِيَّةِ الْعُمُومِ فَلَا يَحْنَثُ أَبَدًا قَضَاءً) وَدِيَانَةً؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ تَزَوُّجِ جَمِيعِ النِّسَاءِ وَعَدَمَ شِرَاءِ جَمِيعِ الْعَبِيدِ مُتَصَوَّرٌ.

(وَقِيلَ) لَا يَحْنَثُ (دِيَانَةً) وَيَحْنَثُ قَضَاءً (لِأَنَّهُ) أَيْ الْعُمُومَ وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً فَهُوَ (كَالْمَجَازِ لَا يُنَالُ إلَّا بِالنِّيَّةِ) فَصَارَ كَأَنَّهُ نَوَى الْمَجَازَ وَمِنْ ثَمَّةَ لَوْ نَوَى التَّخْصِيصَ لَا يُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ بَلْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ - تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فِيمَا لَهُ لَا فِيمَا عَلَيْهِ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ إجْمَاعُ مَشَايِخِنَا فَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي هَذَيْنِ الْفَرْعَيْنِ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِتَزَوُّجِ ثَلَاثِ نِسْوَةٍ وَشِرَاءِ ثَلَاثَةِ أَعْبُدٍ (وَمِنْهُ) أَيْ كَوْنِهَا لِلْجِنْسِ الَّذِي هُوَ الْعَهْدُ الذِّهْنِيُّ كَمَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ (لَا مِنْ الْمَاهِيَّةِ) قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: (شَرِبْت الْمَاءَ وَأَكَلْت الْخُبْزَ وَالْعَسَلَ) وَهُوَ الْمِقْدَارُ الْمَعْلُومُ الْمُقَدَّرُ فِي الذِّهْنِ شُرْبُهُ وَأَكْلُهُ مِنْ هَذِهِ الْأَعْيَانِ (كَ اُدْخُلْ السُّوقَ) لِجُزْئِيٍّ مُحْضَرٍ فِي الذِّهْنِ بِاعْتِبَارِ حُضُورِهِ فِيهِ مِمَّا يُطْلَقُ عَلَيْهِ السُّوقُ كَمَا يُطْلَقُ الْكُلِّيُّ الطَّبِيعِيُّ عَلَى كُلٍّ مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ لَا بِاعْتِبَارِ عَهْدٍ بِهِ فِي الْخَارِجِ، وَنُقِلَ فِي التَّلْوِيحِ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ فِي هَذَا لِلْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ لِكَوْنِهِ إشَارَةً إلَى مُعَيَّنٍ وَلَا مُنَافَاةَ فِي الْمَعْنَى ثُمَّ لَمَّا كَانَ هَذَا الْبَحْثُ الْمُتَقَدِّمُ فِي أَحْكَامِ اللَّامِ مُمْتَزِجًا مِمَّا فِي التَّوْضِيحِ وَالتَّلْوِيحِ.

وَعِنْدَ الْمُصَنِّفِ اعْتِقَادُ ضَعْفِ بَعْضِهِ وَأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَنْقِيحٍ وَتَحْقِيقٍ اسْتَأْنَفَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ لِإِفَادَةِ هَذَا الْغَرَضِ وَبَيَانِ مَا عِنْدَهُ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>