للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ النَّكِرَةِ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ كَمَا (فِي مِثْلِ إنْ جَاءَك فَأَطْعِمْهُ فَلَا تَعُمُّ) فِيهِ؛ إذْ جَازَ كَوْنُ رَجُلٍ فِيهِ بِقَيْدِ الْفَرْدِيَّةِ وَالِانْفِرَادِ فَلَا يُطْعِمُ رَجُلَيْنِ، وَلَا رَجُلًا بَعْدَ رَجُلٍ (وَفِي غَيْرِهِمَا) أَيْ النَّفْيِ الصَّرِيحِ وَالشَّرْطِ الْمُثْبَتِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَاهُ لِأَنَّكَ عَرَفْت أَنَّ عُمُومَ النَّكِرَةِ فِي مَوْضِعِ الشَّرْطِ الْمُثْبَتِ لَيْسَ إلَّا عُمُومَ النَّكِرَةِ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ (إنْ وُضِعَتْ بِصِيغَةٍ عَامَّةٍ أَيْ لَا تَخُصُّ فَرْدًا عَمَّتْ كَ لَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ خَيْرٌ) فَإِنَّ الْإِيمَانَ لَيْسَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِهِ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَلَا الْمَعْرُوفُ مِمَّا يَخْتَصُّ بِهِ قَوْلٌ وَاحِدٌ بِخِلَافِ الْمُتَّصِفَةِ بِمَا يَخُصُّ فَرْدًا فَإِنَّهَا لَا تَعُمُّ فِيهِ نَحْوُ لَا تُجَالِسْ إلَّا رَجُلًا يَدْخُلُ دَارِهِ وَحْدَهُ قَبْلَ كُلِّ أَحَدٍ فَإِنَّ هَذَا الْوَصْفَ لَا يَصْدُقُ إلَّا عَلَى فَرْدٍ وَاحِدٍ.

ثُمَّ إنَّمَا تَعُمُّ (مَا لَمْ يَتَعَذَّرْ) الْعُمُومُ فَإِنْ تَعَذَّرَ لَمْ تَعُمَّ (كَ لَقِيت رَجُلًا عَالِمًا) لِتَعَذُّرِ لِقَائِهِ كُلَّ عَالِمٍ عَادَةً (وَوَاللَّهِ لَا أُجَالِسُ إلَّا رَجُلًا عَالِمًا لَهُ مُجَالَسَةُ كُلِّ عَالِمٍ جَمْعًا وَتَفْرِيقًا) فَلَا يَحْنَثُ بِمُجَالَسَةِ عَالِمَيْنِ كَمَا لَا يَحْنَثُ بِمُجَالَسَةِ عَالِمٍ وَاحِدٍ (وَوَاللَّهِ لَا أُجَالِسُ إلَّا رَجُلًا غَيْرَ مُقَيِّدٍ) بِصِفَةٍ عَامَّةٍ (يَحْنَثُ بِرَجُلَيْنِ قِيلَ)

مَا مَعْنَاهُ وَالْقَائِلُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ (الْفَرْقُ) بَيْنَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ (أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَا يَصْدُقُ عَلَى الشَّخْصِ) الْوَاحِدِ أَيْ بِاسْمِ شَخْصٍ نَكِرَةٍ غَيْرِ مَوْصُوفَةٍ (لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا وَاحِدًا) ضَرُورَةَ وَحْدَتِهِ فَيَحْنَثُ بِمُجَالَسَةِ رَجُلَيْنِ (فَإِذَا وُصِفَ) الِاسْمُ النَّكِرَةُ الْمُسْتَثْنَى (بِعَامٍّ ظَهَرَ الْقَصْدُ إلَى وَحْدَةِ النَّوْعِ) فَيُخَصُّ ذَلِكَ النَّوْعُ بِصَيْرُورَتِهِ مُسْتَثْنًى، وَمِنْ هُنَا قَالَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: صِفَةٌ عَامَّةٌ لَا يُزَاحِمُهَا صِفَةٌ مُنَافِيَةٌ لِلْعُمُومِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ إلَّا رَجُلًا كُوفِيًّا وَاحِدًا يَمْتَنِعُ الْعُمُومُ وَأُورِدَ: الْوَحْدَةُ صِفَةٌ عَامَّةٌ أَيْضًا فَيَنْبَغِي فِيمَا لَوْ قَالَ: لَا أُكَلِّمُ إلَّا إنْسَانًا وَاحِدًا أَنْ يَحْنَثَ بِالتَّكَلُّمِ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ وَأُجِيبَ الْمُسْتَثْنَى وَاحِدٌ فَلَوْ لَمْ يَحْنَثْ أَصْلًا لَمَا كَانَ وَاحِدًا هَذَا وَقَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (وَزِيَادَةٌ بِقَرِينَةِ كَوْنِهِ) أَيْ الْوَصْفِ (مِمَّا يَصِحُّ تَعْلِيلُ الْحُكْمِ بِهِ) كَمَا فِي التَّلْوِيحِ (نَقْصٌ) .

قَالَ: بَلْ الصَّوَابُ أَنْ لَا يُزَادَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ ثَابِتٌ كَمَا هُوَ فِيمَا لَوْ قَالَ: لَا أُجَالِسُ إلَّا رَجُلًا جَاهِلًا لَهُ أَنْ يُجَالِسَ كُلَّ جَاهِلٍ مَعَ أَنَّهُ وَصْفٌ لَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنَاسِبٍ عِنْدَ الْعَقْلِ اهـ ثُمَّ قَدْ قِيلَ عَلَى أَصْلِ الْفَرْقِ: إنَّهُ تَحَكُّمٌ لِخَفَاءِ الْمُلَازَمَةِ بَيْنَ كَوْنِهَا غَيْرَ مَوْصُوفَةٍ وَكَوْنِهَا لِلْوَحْدَةِ وَبَيْنَ كَوْنِهَا مَوْصُوفَةً وَكَوْنِ الِاسْتِثْنَاءِ بِصِفَةِ النَّوْعِ لِجَوَازِ أَنْ يُرَادَ بِالْأَوَّلِ لَا أُجَالِسُ إلَّا جِنْسَ الرَّجُلِ وَبِالثَّانِي لَا أُجَالِسُ إلَّا رَجُلًا وَاحِدًا مَوْصُوفًا بِصِفَةِ الْعِلْمِ ثُمَّ كَمَا قَالَ (وَحَاصِلُهُ) أَيْ اسْتِعْمَالِهَا فِي غَيْرِ النَّفْيِ (أَنَّهَا فِي الْإِثْبَاتِ تَعُمُّ بِقَرِينَةٍ لَا تَنْحَصِرُ فِي الْوَصْفِ بَلْ تَكْثُرُ وَقَدْ يَظْهَرُ عُمُومُهَا مِنْ الْمَقَامِ وَغَيْرِهِ كَ عَلِمَتْ نَفْسٌ وَتَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ) كَمَا هُوَ أَثَرٌ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (وَأَكْرِمْ كُلَّ رَجُلٍ وَرَجُلًا لَا امْرَأَةً، وَهِيَ) أَيْ النَّكِرَةُ (فِي غَيْرِ هَذِهِ) الْمَوْضِعِ (مُطْلَقَةٌ) أَيْ دَالَّةٌ عَلَى فَرْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ كَ {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: ٦٧] {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: ٩٢] كَمَا هُوَ الْمَعْنَى الْوَضْعِيُّ لَهَا لَا عَامَّةٌ لِانْتِفَاءِ مُوجِبِ الْعُمُومِ.

(وَمِنْ فُرُوعِهَا) أَيْ النَّكِرَةِ (إعَادَتُهَا) مَعْرِفَةً وَنَكِرَةً (وَكَذَا الْمَعْرِفَةُ) مِنْ فُرُوعِهَا إعَادَتُهَا مَعْرِفَةً وَنَكِرَةً أَيْ إعَادَةُ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ إمَّا مَعَ كَيْفِيَّتِهِ مَعَ التَّنْكِيرِ وَالتَّعْرِيفِ أَوْ بِدُونِهَا (وَيَلْزَمُ كَوْنُ تَعْرِيفِهَا) أَيْ الْمَعْرِفَةِ حِينَئِذٍ (بِاللَّامِ أَوْ الْإِضَافَةِ فِي إعَادَتِهَا نَكِرَةً) وَفِي إعَادَةِ النَّكِرَةِ مَعْرِفَةً أَيْضًا وَكَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ اكْتِفَاءً لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِمَا إلَّا بِأَحَدِ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ مِنْ التَّعْرِيفِ فِي الْمَعْرِفَةِ نَعَمْ لَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يَكُونَ بِإِعَادَةِ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ لَتُصُوِّرَ إعَادَةُ النَّكِرَةِ مَعْرِفَةً بِطَرِيقِ الْإِضْمَارِ حَيْثُ كَانَ الضَّمِيرُ الرَّاجِعُ إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>