للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ} [غافر: ٥٣] {هُدًى} [غافر: ٥٤] فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ التَّوْرَاةُ وَالصُّحُفُ الَّتِي أُوتِيَهَا وَالْمُعْجِزَاتُ وَبِالثَّانِي الْإِرْشَادُ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الْإِضْلَالِ فَقَدْ تُعَادُ نَكِرَةٌ عَيْنُ الْأُولَى كَبَيْتِ الْحَمَاسَةِ فَلَا جَرَمَ إنْ قِيلَ الْأَصْلُ مُسْتَقِيمٌ

وَإِنَّمَا الْأَصْلُ قَدْ يُتْرَكُ لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِهِ، وَقَدْ تَحَقَّقَ فِي الْمَوَاضِعِ وَنَظَائِرِهَا كَمَا يُدْرَكُ بِالتَّأَمُّلِ فِيهَا، وَفِيمَا يُرْشِدُ إلَى ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ بَيَانُهُ هَذَا ثُمَّ لَعَلَّ الْأَشْبَهَ مَا قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: تَحْرِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ الِاسْمُ عَامًّا فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَالثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ الْعُمُومِ أَنْ لَا يَكُونَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ ضَرُورَةَ اسْتِيفَاءِ عُمُومِ الْأَوَّلِ لِلْأَفْرَادِ سَوَاءٌ كَانَا مَعْرِفَتَيْنِ عَامَّتَيْنِ أَمْ نَكِرَتَيْنِ عَامَّتَيْنِ كَوُقُوعِهِمَا فِي حَيِّزِ النَّفْيِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي عَامًّا، وَالْأَوَّلُ خَاصًّا فَالْأَوَّلُ دَاخِلٌ فِيهِ ضَرُورَةَ اسْتِغْرَاقِ الْعَامِّ لِذَلِكَ الْفَرْدِ، وَكَذَا الْعَكْسُ وَإِنْ كَانَا خَاصَّيْنِ، فَإِنْ كَانَا نَكِرَتَيْنِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الثَّانِيَ غَيْرُ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ إيَّاهُ لَكَانَ إعَادَةُ النَّكِرَةِ وَضْعًا لِلظَّاهِرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ وَلِأَجْلِ الِاحْتِمَالَيْنِ وَرَدَ فِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فَأَعَادَ ذِكْرَ الرَّجُلِ مُنَكَّرًا كَمَا بَدَأَ بِهِ مُنَكَّرًا مَعَ تَرَدُّدِهِ فِي أَنَّهُ الْأَوَّلُ أَوْ غَيْرُهُ كَمَا وَرَدَ بِهِ مُصَرَّحًا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ لَا أَدْرِي أَهُوَ الْأَوَّلُ أَوْ لَا وَإِنْ كَانَا مُعَرَّفَتَيْنِ بِأَدَاةٍ عَهْدِيَّةٍ فَهُوَ بِحَسَبِ الْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ إلَى الْمَعْهُودِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ.

(فَيَنْبَنِي عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ (إقْرَارُهُ بِمَالٍ مُقَيَّدٍ بِالصَّكِّ) وَهُوَ كِتَابُ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ وَغَيْرِهِ مُعَرَّبٌ (وَمُطْلَقٍ) عَنْهُ مَسْأَلَةٌ (مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ) مِنْ حَيْثُ النَّقْلُ (غَيْرُ إقْرَارِهِ بِمُقَيَّدٍ) بِالصَّكِّ فِي مَجْلِسٍ (ثُمَّ) إقْرَارِهِ (فِي آخَرَ بِهِ مُنَكَّرًا وَقَلْبُهُ) أَيْ وَغَيْرُ إقْرَارِهِ بِمَالٍ فِي مَجْلِسٍ مُنَكَّرًا ثُمَّ بِهِ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ مُقَيَّدٍ بِالصَّكِّ فَإِنَّ حُكْمَ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ نَقْلًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ وَإِنَّمَا (خُرِّجَ وُجُوبُ مَالَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) فِي الْأُولَى (وَمَالٍ اتِّفَاقًا) فِي الثَّانِيَةِ، وَلَا يَبْعُدُ مِنْ كَلَامِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ أَنَّهُ الْمُخَرِّجُ لِحُكْمِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي التَّلْوِيحِ، وَالْحُكْمُ فِي كِلْتَيْهِمَا مَذْكُورٌ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ أَيْضًا مِمَّنْ عَسَاهُ يَكُونُ سَابِقًا عَلَيْهِ.

ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ قَدْ لَخَّصَ شَرْحَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فَقَالَ فَالْمَنْقُولُ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِأَلْفٍ فِي هَذَا الصَّكِّ ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا كَذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ عِنْدَ شُهُودٍ آخَرِينَ كَانَ اللَّازِمُ أَلْفًا وَاحِدَةً تَخْرِيجًا عَلَى إعَادَةِ الْمَعْرِفَةِ مَعْرِفَةً وَلَوْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ مُطْلَقٍ عَنْ الصَّكِّ غَيْرِ مُقَيَّدٍ بِسَبَبٍ ثُمَّ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ أَقَرَّ بِأَلْفٍ عِنْدَ آخَرِينَ أَوْ عِنْدَهُمَا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ كَذَلِكَ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَلْزَمُهُ أَلْفَانِ بِنَاءً عَلَى إعَادَةِ النَّكِرَةِ نَكِرَةً كَمَا لَوْ كَتَبَ صَكَّيْنِ كُلًّا بِأَلْفٍ، وَأَشْهَدَ عَلَى كُلٍّ شَاهِدَيْنِ، وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ أَلْفٌ وَاحِدَةٌ لِلْعُرْفِ عَلَى تَكْرَارِ الْإِقْرَارِ لِلتَّأْكِيدِ، وَلَوْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ فِي هَذِهِ لَزِمَهُ أَلْفٌ وَاحِدَةٌ اتِّفَاقًا فِي تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ لِجَمْعِ الْمَجْلِسِ الْمُتَفَرِّقَاتِ وَلَوْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ مُقَيَّدٍ بِالصَّكِّ عِنْدَ شَاهِدَيْنِ ثُمَّ فِي آخَرَ عِنْدَ آخَرَيْنِ بِأَلْفٍ مُنَكَّرٍ خُرِّجَ لُزُومُ أَلْفَيْنِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِنَاءً عَلَى إعَادَةِ الْمَعْرِفَةِ نَكِرَةً، وَفِي عَكْسِهَا يَنْبَغِي وُجُوبُ أَلْفٍ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ النَّكِرَةَ أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً ثُمَّ التَّقْيِيدُ بِالشَّاهِدَيْنِ فِي الصُّوَرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ عِنْدَ شَاهِدٍ وَأَلْفٍ عِنْدَ آخَرَ أَوْ بِأَلْفٍ عِنْدَ شَاهِدَيْنِ وَأَلْفٍ عِنْدَ الْقَاضِي لَزِمَ أَلْفٌ وَاحِدَةٌ اتِّفَاقًا انْتَهَى؛ لِأَنَّ بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ لَا يَصِيرُ الْمَالُ مُسْتَحْكَمًا فَفَائِدَةُ إعَادَتِهِ اسْتِحْكَامُهُ بِإِتْمَامِ الْحُجَّةِ

وَفَائِدَةُ الْإِعَادَةِ عِنْدَ الْقَاضِي إسْقَاطُ مُؤْنَةِ الْإِثْبَاتِ بِالْبَيِّنَةِ عَنْ الْمُدَّعِي، وَإِنَّمَا قَالَ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِسَبَبٍ إذْ لَوْ بَيَّنَ سَبَبًا مُخْتَلِفًا يَلْزَمُ أَلْفَانِ إجْمَاعًا، وَلَوْ بَيَّنَ سَبَبًا مُتَّحِدًا يَلْزَمُ أَلْفٌ بِكُلِّ حَالٍ إجْمَاعًا، وَقُيِّدَ الِاتِّفَاقُ بِتَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>