للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي رُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ، وَهِيَ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا لِكُلِّ مُجْتَهِدٍ، وَمَتَى نَزَلَ عَنْهَا لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا (، وَهُوَ) أَيْ أَدْنَى مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ ذَلِكَ (مَضْبُوطٌ) فِي شُرُوطِ مُطْلَقِ الِاجْتِهَادِ كَمَا سَيَأْتِي وَتَقَدَّمَتْ الْعِبَارَةُ الْإِجْمَالِيَّةُ عَنْهُ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ مَضْبُوطَةٌ بِأَنْ يُرَادَ بِهَا الِاتِّصَافُ بِشُرُوطِ الِاجْتِهَادِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْفَنِّ، وَلَا يَضُرُّ لُزُومُ اخْتِلَافِهَا بِالزِّيَادَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَعْضِ الْأَشْخَاصِ، وَإِلَّا لَمْ يَثْبُتْ حُكْمٌ بِالِاجْتِهَادِ، وَلَمْ يَصِحَّ إطْلَاقُ الْمُجْتَهِدِ عَلَى أَحَدٍ وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ قَطْعًا، وَخَفَاءُ هَذَا عَلَى مَنْ لَا شُعُورَ لَهُ بِمَعَانِي اصْطِلَاحَاتِ هَذَا الْفَنِّ غَيْرُ ضَائِرٍ كَمَا هُوَ غَيْرُ خَافٍ فَلَا جَهَالَةَ قَادِحَةً فِي صِحَّةِ التَّعْرِيفِ ثُمَّ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ قَدْ بَقِيَ لِهَذَا التَّعْرِيفِ جُزْءٌ آخَرُ كَالصُّورَةِ لَهُ، وَهُوَ الْإِضَافَةُ وَكَمَا تَوَقَّفَتْ مَعْرِفَتُهُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْجُزْأَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ اللَّذَيْنِ كَالْمَادَّةِ لَهُ يَتَوَقَّفُ مَعْرِفَتُهُ عَلَى مَعْرِفَةِ هَذَا الْجُزْءِ فَلِمَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ مَعْنَى إضَافَةِ الْمُشْتَقِّ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَالْأَصْلِ اخْتِصَاصُ الْمُضَافِ بِالْمُضَافِ إلَيْهِ بِاعْتِبَارِ مَفْهُومِ الْإِضَافَةِ مَثَلًا دَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ مَا يَخْتَصُّ بِهَا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ دَلِيلًا عَلَيْهَا فَأَصْلُ الْفِقْهِ مَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَبْنِيٌّ لَهُ وَمُسْتَنَدُهُ.

(وَعَلَى الثَّانِي) أَيْ وَأَمَّا تَعْرِيفُ أُصُولِ الْفِقْهِ عَلَى أَنَّهُ عَلَمٌ عَلَى هَذَا الْعِلْمِ (فَقَالَ كَثِيرٌ أَمَّا تَعْرِيفُهُ) أَوْ حَدُّهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ (لَقَبًا) أَيْ حَالَ كَوْنِ هَذَا الِاسْمِ لَقَبًا لِهَذَا الْعِلْمِ أَوْ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ كَذَلِكَ فَعَبَّرُوا بِاللَّقَبِ لَا الْعَلَمِ (لِيُشْعِرُوا بِرَفْعِهِ مُسَمَّاهُ) أَيْ لِيُعْلِمُوا الْوَاقِفِينَ عَلَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ بِالتَّنْوِيهِ بِمُسَمَّى هَذَا الْعِلْمِ مَعَ تَمْيِيزِهِ عَنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ اللَّقَبَ عَلَمٌ مُشْعِرٌ مَعَ تَمْيِيزِ الْمُسَمَّى بِرِفْعَتِهِ أَوْ ضِعَتِهِ، وَلَفْظُ أُصُولِ الْفِقْهِ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ مُشْعِرٌ بِابْتِنَاءِ الْفِقْهِ فِي الدِّينِ عَلَى مُسَمَّاهُ، وَهُوَ صِفَةُ مَدْحٍ؛ لِأَنَّ بِالْفِقْهِ فِي الدِّينِ نِظَامَ الْمَعَاشِ وَنَجَاةَ الْمَعَادِ بِخِلَافِ التَّعْبِيرِ عَنْ اسْمِهِ بِالْعَلَمِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى هَذِهِ الرِّفْعَةِ فَإِنَّ مِنْ أَقْسَامِ الْعَلَمِ الِاسْمَ، وَهُوَ إنَّمَا وُضِعَ عَلَى الْمُسَمَّى لِمُجَرَّدِ التَّمْيِيزِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى تَعْظِيمٍ وَلَا تَحْقِيرٍ.

(وَبَعْضُهُمْ عَلَمًا) أَيْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَمًا مَكَانَ لَقَبًا، وَهُوَ الْعَلَّامَةُ صَاحِبُ الْبَدِيعِ وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ، وَإِنَّمَا لَمْ نَقُلْ لَقَبًا كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ؛ لِأَنَّ اللَّقَبَ أَخَصُّ مِنْ الْعَلَمِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِي اللَّقَبِ قَيَّدَ كَوْنُهُ مُنْبِئًا عَنْ مَدْحٍ أَوْ ذَمٍّ، وَذَلِكَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي كَوْنِهِ مُعَرَّفًا تَعْرِيفًا حَدِّيًّا، وَإِلَى شَرْحِ هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: (لِأَنَّ التَّعْرِيفَ) الْحَدِّيَّ إنَّمَا هُوَ (إفَادَةُ مُجَرَّدِ الْمُسَمَّى لَا) إفَادَةُ الْمُسَمَّى (مَعَ اعْتِبَارِ مَمْدُوحِيَّتِهِ) الَّتِي هِيَ وَصْفٌ لَهُ أَيْضًا (وَإِنْ كَانَتْ) الْمَمْدُوحِيَّةُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (ثَابِتَةً) لِلْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ الْحَدِّيَّ إنَّمَا هُوَ لِلْحَقِيقَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ ثُمَّ إذْ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ كَوْنِ الْمَمْدُوحِيَّةِ وَصَفًّا ثَابِتًا لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنْ يَكُونَ التَّعْرِيفُ لَهُ بِاعْتِبَارِهَا لَمْ يَكُنْ التَّصْرِيحُ بِحَدِّهِ مُقَيَّدًا بِالنَّظَرِ إلَى مُطْلَقِ عَلَمِيَّتِهِ الَّتِي لَا دَلَالَةَ لَهَا مِنْ حَيْثُ هِيَ عَلَى الْمَمْدُوحِيَّةِ نَفْيًا لِلْمَمْدُوحِيَّةِ (فَلَا يَعْتَرِضُ) عَلَى صَاحِبِ الْبَدِيعِ (بِثُبُوتِهَا) أَيْ بِأَنَّ الْمَمْدُوحِيَّةَ ثَابِتَةٌ لَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَمَا وَقَعَ مِنْ الشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ كَوْنَهُ عَلَمًا لِعِلْمٍ هُوَ صَلَاحُ أَمْرِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا مَدْحٌ لَهُ فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْمَدْحِ فَيَكُونُ لَقَبًا وَجَوَابُهُ بِأَنَّ كَوْنَهُ مَدْحًا بِاعْتِبَارِ مَفْهُومِهِ الْإِضَافِيِّ لَا بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهِ عَلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ لَيْسَ بِقَوِيٍّ فَإِنَّ جَمِيعَ الْأَلْقَابِ بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهِ عَلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ فِي كَوْنِهِ مَدْحًا تَسْمِيَتُهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْمَدْحِ قَبْلَهَا اهـ.

فَإِنَّ صَاحِبَ الْبَدِيعِ لَيْسَ بِمُنْكِرٍ أَنَّهُ يُشْعِرُ بِذَلِكَ، وَأَنَّ اسْمَهُ لَقَبٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي تَعْرِيفِ مُسَمَّى لَفْظِ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَهُوَ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ إشْعَارِهِ بِذَلِكَ بَلْ بِاعْتِبَارِ مَا يُمَيِّزُهُ عَنْ غَيْرِهِ فَقَطْ وَكَذَلِكَ كُلُّ تَعْرِيفٍ سَوَاءٌ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَقَبًا أَوْ لَا فَيَتَّجِهُ قَوْلُ الْقَائِلِ عَلَمًا عَلَى قَوْلِ الْقَائِلِ لَقَبًا ثُمَّ يَحْتَاجُ الْكُلُّ إلَى التَّقَصِّي عَمَّا اُشْتُهِرَ مِنْ أَنَّ الشَّخْصِيَّ لَا يُحَدُّ، وَإِنَّمَا طَرِيقُ إدْرَاكِهِ الْحَوَاسَّ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَخَذْت الْعَوَارِضَ الْمُشَخِّصَةَ فِيهِ فَهِيَ فِي مَعْرِضِ التَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ، وَإِنْ اُقْتُصِرَ عَلَى مُقَوِّمَاتِ الْمَاهِيَّةِ لَمْ يَكُنْ حَدًّا لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ شَخْصٌ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا عَسَى أَنْ يُقَالَ الْمَحْدُودُ هُنَا هُوَ الْمُسَمَّى الْمَفْهُومُ لِلْعَلَمِ لَا لِلشَّخْصِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُمْ قَالُوا أَمَّا تَعْرِيفُهُ عَلَمًا وَلَقَبًا

<<  <  ج: ص:  >  >>