للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ عَلَمٌ شَخْصِيٌّ فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا إمَّا تَعْرِيفُهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ شَخْصِيٌّ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِحَدِّهِ هُنَا مَا يُفِيدُ امْتِيَازُهُ عَنْ جَمِيعِ مَا عَدَاهُ مِنْ أَفْرَادِ مُطْلَقِ الْعِلْمِ الْمَوْجُودَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ الْمَذْكُورَ لَهُ تَعْرِيفًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُفِيدُ ذَلِكَ وَالْحَدُّ بِهَذَا الْمَعْنَى مِمَّا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ لَلشَّخْصِيِّ كَمَا يَكُونُ لِغَيْرِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ عَلَى أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الْمُشَخِّصَاتُ فِي مِثْلِ هَذَا لَيْسَتْ فِي مَعْرِضِ التَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ مَعَ فَرْضِ بَقَاءِ مَاهِيَّتِهِ الْخَاصَّةِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُقَوِّمَاتُ لَهَا حَتَّى مَتَى مَا زَالَتْ زَالَتْ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الشَّخْصِيَّاتِ مِنْ الْأَعْيَانِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ أَخَذَ الْمُصَنِّفُ فِي تَمْهِيدِ تَحْقِيقٍ يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ اخْتِلَافُ التَّعْرِيفِ الْعِلْمِيِّ بِاخْتِلَافِ مَا اسْمُ الْعِلْمِ مَوْضُوعٌ بِإِزَائِهِ فَقَالَ (وَكُلُّ عِلْمٍ كَثْرَةُ الْإِدْرَاكَاتِ وَمُتَعَلِّقَاتهَا) الْإِضَافَةُ فِي كَثْرَة الْإِدْرَاكَاتِ، وَمُتَعَلِّقَاتهَا بَيَانِيَّةٌ أَيْ كُلُّ عِلْمٍ مِنْ الْعُلُومِ الْمُدَوَّنَةِ عِبَارَةٌ عَنْ كَثْرَتَيْنِ كَثْرَةٌ هِيَ إدْرَاكَاتٌ وَكَثْرَةٌ هِيَ مُتَعَلَّقَاتُ تِلْكَ الْإِدْرَاكَاتِ بِفَتْحِ اللَّامِ؛ لِأَنَّ إضَافَةَ الْعِلْمِ إلَى الْمُتَعَلَّقِ الْمُسَمَّاةِ بِالتَّعَلُّقِ بِالْمَعْلُومِ لَا بُدَّ مِنْهَا إمَّا عَلَى أَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي حَقِيقَةِ الْعِلْمِ كَمَا هُوَ أَحَدُ الْمَذْهَبَيْنِ فِيهَا فَظَاهِرٌ، وَإِمَّا عَلَى أَنَّهَا عَارِضٌ لَازِمٌ لَهُ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْآخَرُ الرَّاجِحُ فَكَذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْإِدْرَاكَاتِ مَا يَعُمُّ التَّصْدِيقَاتِ بِالْمَسَائِلِ، وَيَعُمُّ الْمَبَادِئَ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ لَهَا، وَهُوَ عَلَى مَا قَالُوا مَا لَا يَكُونُ مَقْصُودًا بِالذَّاتِ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ قَبِيلِ التَّصَوُّرَاتِ أَوْ التَّصْدِيقَاتِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الْمَبَادِئَ بِهَذَا الْمَعْنَى مِنْ أَجْزَاءِ الْعِلْمِ وَشَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ مُوَافِقٌ عَلَى ذَلِكَ كَمَا سَمِعْته مِنْهُ فِي بَعْضِ الْمَجَالِسِ، وَالْإِدْرَاكُ أَيْ وُصُولُ النَّفْسِ إلَى الْمَعْنَى بِتَمَامِهِ مِنْ نِسْبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا يُقَالُ عَلَى مَا يَعُمُّ التَّصْدِيقَ وَالتَّصَوُّرَ، وَلِهَذَا قَدْ يُقْسَمُ إلَيْهِمَا وَيُجْعَلُ جِنْسًا لَهُمَا، وَهُوَ سَائِغٌ لَا نِزَاعَ فِيهِ، وَإِنَّمَا لَمْ نَقُلْ، وَمَا يَعُمُّ التَّصْدِيقَ بِهَلِيَةِ ذَاتِ الْمَوْضُوعِ أَيْضًا مَعَ تَصْرِيحِ بَعْضِ أَعْيَانِ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّهُ أَيْضًا مِنْ أَجْزَاءِ الْعُلُومِ؛ لِأَنَّ شَيْخَنَا الْمُصَنِّفَ لَمْ يَخْتَرْهُ كَمَا سَنُشِيرُ إلَيْهِ وَنُقَرِّرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْمُتَعَلِّقَاتِ هَذِهِ الْمُدْرِكَاتِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْإِدْرَاكَاتِ التَّصْدِيقَاتِ وَبِالْمُتَعَلِّقَاتِ الْمَسَائِلَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَقَاصِدَ الْعُلُومِ بِالذَّاتِ هِيَ مَسَائِلُهَا الَّتِي إدْرَاكَاتُهَا تَصْدِيقَاتٌ فَالْمَقْصُودُ مِنْهَا الْإِدْرَاكَاتُ التَّصْدِيقِيَّةُ، وَأَمَّا الْمَوْضُوعُ فَإِنَّمَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِيَرْتَبِطَ بَعْضُ الْمَسَائِلِ بِبَعْضٍ ارْتِبَاطًا يَحْسُنُ مَعَهُ جَعْلُ تِلْكَ الْمَسَائِلِ الْكَثِيرَةِ عِلْمًا وَاحِدًا، وَالْمَبَادِئُ اُحْتِيجَ إلَيْهَا لِتَوَقُّفِ تِلْكَ الْمَسَائِلِ عَلَيْهَا تَوَقُّفَ الْمَقْصُودِ عَلَى الْوَسِيلَةِ فَالْأَوْلَى أَنْ تُعْتَبَرَ تِلْكَ الْإِدْرَاكَاتُ التَّصْدِيقِيَّةُ عَلَى حِدَةٍ وَتُسَمَّى بِاسْمٍ وَحِينَئِذٍ فَلَعَلَّ مَنْ جَعَلَ الْمَوْضُوعَ وَالْمَبَادِئَ مِنْ أَجْزَاءِ الْعُلُومِ تَسَامَحَ فِي ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى شِدَّةِ احْتِيَاجِ الْمَسَائِلِ إلَيْهِمَا فَنَزَلَا مَنْزِلَةِ الْأَجْزَاءِ ثُمَّ بَعْدَ أَنْ تَشَارَكَتْ الْعُلُومُ كُلُّهَا فِي كَوْنِهَا تَصْدِيقَاتٍ وَأَحْكَامًا بِأُمُورٍ عَلَى أُخْرَى إنَّمَا صَارَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْ التَّصْدِيقَاتِ عِلْمًا خَاصًّا بِوَاسِطَةِ أَمْرٍ ارْتَبَطَ بِهِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَصَارَ الْمَجْمُوعُ مُمْتَازًا عَنْ الطَّوَائِفِ الْأُخَرِ بِحَيْثُ لَوْلَاهُ لَمْ يَعُدَّ عِلْمًا وَاحِدًا وَلَمْ يَسْتَحْسِنُوا إفْرَادَهُ بِالتَّدْوِينِ وَالتَّعْلِيمِ، وَذَلِكَ الْأَمْرُ بِحَسَبِ الْوَاقِعِ أَمَّا مَوْضُوعُ الْعِلْمِ بِأَنْ يَكُونَ مَثَلًا مَوْضُوعَاتُ مَسَائِلِهِ رَاجِعَةٌ إلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ كَالْعَدَدِ لِلْحِسَابِ، وَأَمَّا غَايَتُهُ كَالصِّحَّةِ فِي مَسَائِلِ الطِّبِّ الْبَاحِثِ عَنْ أَحْوَالِ بَدَنِ الْإِنْسَانِ وَالْأَدْوِيَةِ وَالْأَغْذِيَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالصِّحَّةِ، وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ مَعًا كَمَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ إذْ الْبَحْثُ فِيهِ عَنْ أَحْوَالِ الدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ لِاسْتِثْمَارِ الْأَحْكَامِ قَالُوا: وَالْأَصْلُ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ فِي جِهَةِ الْوَحْدَةِ هُوَ الْمَوْضُوعُ؛ لِأَنَّ الْمَحْمُولَاتِ صِفَاتٌ مَطْلُوبَةٌ لِذَوَاتِ الْمَوْضُوعَاتِ فَإِنْ اتَّحَدَ فَذَاكَ، وَإِنْ تَعَدَّدَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَنَاسُبِهَا فِي أَمْرٍ وَاتِّحَادِهَا بِحَسَبِهِ إمَّا فِي ذَاتِيٍّ كَأَنْوَاعِ الْمِقْدَارِ الْمُتَشَارِكَةِ فِيهِ لِعِلْمِ الْهَنْدَسَةِ أَوْ عَرَضِيٍّ كَمَوْضُوعَاتِ الطِّبِّ فِي الِانْتِسَابِ إلَى الصِّحَّةِ وَكَأَقْسَامِ الدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْأَحْكَامِ إنْ جُعِلَتْ مَوْضُوعًا لِهَذَا الْفَنِّ، وَمِنْ ثَمَّةَ نَرَاهُمْ يَقُولُونَ تَمَايُزُ الْعُلُومِ بِتَمَايُزِ الْمَوْضُوعَاتِ بِأَنْ يَبْحَثَ فِي هَذَا عَنْ أَحْوَالِ شَيْءٍ أَوْ أَشْيَاءَ مُتَنَاسِبَةٍ، وَفِي ذَاكَ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>