للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحْوَالِ شَيْءٍ آخَرَ أَوْ أَشْيَاءَ مُتَنَاسِبَةٍ أُخْرَى وَلَا يَعْتَبِرُونَ رُجُوعَ الْمَحْمُولَاتِ إلَى مَا يَعُمُّهَا فَالْمَوْضُوعُ إمَّا وَاحِدٌ أَوْ فِي حُكْمِهِ كَمَا إذَا قِيسَ الْمُتَعَدِّدُ إلَى وَحْدَةِ الْغَايَةِ.

وَذَهَبَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي جِهَةِ الْوَحْدَةِ هِيَ وَحْدَةُ الْغَايَةِ فَقَالَ (وَلَهَا وَحْدَةُ غَايَةٍ تَسْتَتْبِعُ وَحْدَةُ مَوْضُوعِهَا أَوَّلُ الْمُلَاحَظَةِ، وَفِي التَّحَقُّقِ الِاتِّصَافِي بِالْقَلْبِ) أَيْ وَلِلْإِدْرَاكَاتِ، وَمُتَعَلِّقَاتهَا الَّتِي هِيَ مَعْنَى الْعِلْمِ جِهَةُ وَحْدَةٍ هِيَ غَايَتُهَا الْمَقْصُودَةُ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ مِنْ تَحْصِيلِ تِلْكَ الْكَثْرَةِ بَلْ، وَمَنْ وَضَعَ مَوْضُوعَ تِلْكَ الْكَثْرَةِ أَيْضًا لِيَبْحَثَ عَنْ أَحْوَالِهِ فَتَحْصُلُ الْكَثْرَتَانِ ثُمَّ هَذِهِ الْوَحْدَةُ تَسْتَتْبِعُ وَحْدَةً أُخْرَى هِيَ وَحْدَةُ الْمَوْضُوعِ أَيْ تَجْعَلُ هَذِهِ الْوَحْدَةُ وَحْدَةَ الْمَوْضُوعِ تَابِعَةً لَهَا بَيَانُهُ أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ وَضْعِ سَائِرِ الْعُلُومِ الَّذِي هُوَ تَعْلِيمُ أَحْوَالِ الْأَشْيَاءِ لَيْسَ ذَاتِ مَعْرِفَةِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ بَلْ مَعْرِفَةُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى مَعْرِفَتِهَا مِنْ مَقَاصِدَ أُخْرَى مُهِمَّةٍ، فَأَوَّلُ مَا يَقَعُ لِلْإِنْسَانِ مَثَلًا طَلَبُ عِصْمَةِ اللِّسَانِ عَنْ الْخَطَأِ فِيمَا تُسَمِّيهِ الْإِعْرَابَ نَفْيًا لِلنَّقْصِ وَالْعَيْبِ عَنْهُ يَأْخُذُ يَنْظُرُ مَا يُوَصِّلُهُ إلَيْهِ فَيَظْهَرُ لَهُ أَنَّهُ مَعْرِفَةُ مَا يَعْرِضُ مِنْ الْأَحْكَامِ لِلْكَلِمِ الْعَرَبِيَّةِ فِي التَّرْكِيبِ فَيَضَعُ الْكَلِمَ الْعَرَبِيَّةَ لِيَبْحَثَ عَنْ أَحْوَالِهَا مَاذَا يَكُونُ عِنْدَ التَّرْكِيبِ فَمَا وَضَعَ الْمَوْضُوعَ لِيَبْحَثَ عَنْ حَالِهِ إلَّا لِتَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ الَّذِي هُوَ الْعِصْمَةُ الْخَاصَّةُ، وَهِيَ الْغَايَةُ هَذَا فِي أَوَّلِ عُرُوضِ حَاجَتِهِ إلَى الْغَايَةِ ثُمَّ إذَا وَضَعَهُ وَبَحَثَ عَنْ أَحْوَالِهِ وَاتَّصَفَ بِهَا؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ عِلْمٌ بِأَحْوَالِ أَشْيَاءَ اتَّصَفَ بِنَفْسِ الْغَايَةِ فَظَهَرَ أَنَّ الْغَايَةَ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى ذِي الْغَايَةِ مِنْ حَيْثُ التَّصَوُّرُ.

وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْوُجُودُ الِاتِّصَافِيُّ فَالِاتِّصَافُ بِنَفْسِ الْعِلْمِ بِالْأَشْيَاءِ يَكُونُ فِي الْخَارِجِ أَوَّلًا ثُمَّ يَتَّصِفُ بَعْدَهُ بِالْغَايَةِ مَثَلًا بَعْدَ أَنْ اتَّصَفَ بِالْعِلْمِ بِأَحْوَالِ الْكَلِمِ الْعَرَبِيَّةِ فِي التَّرْكِيبِ اتَّصَفَ بِقُدْرَةٍ عَلَى عِصْمَةِ نَفْسِهِ عَنْ الْخَطَأِ فِي الْإِعْرَابِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ، وَفِي التَّحَقُّقِ الِاتِّصَافِيِّ بِالْقَلْبِ، وَمِنْ هُنَا قَالُوا: غَايَةُ الشَّيْءِ عِلَّةٌ لَهُ فِي الذِّهْنِ مَعْلُولَةٌ لَهُ فِي الْخَارِجِ أَيْ سَابِقَةٌ لَهُ فِي التَّصَوُّرِ فَإِنَّهَا بَاعِثَةٌ لِلْفَاعِلِ عَلَى إيجَادِ ذِي الْغَايَةِ فِي الْخَارِجِ مُتَأَخِّرٌ وُجُودُهَا فِي الْخَارِجِ عَنْ وُجُودِهِ فِيهِ فَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ أَظْهَرُ ثُمَّ إذَا عُرِفَ هَذَا فَنَقُولُ (وَأَسْمَاءُ الْعُلُومِ) الْمُدَوَّنَةِ مِنْ الْفِقْهِ وَالْأُصُولِ وَغَيْرِهِمَا مَوْضُوعَةٌ اصْطِلَاحًا (لِكُلٍّ) مِنْ الْكَثْرَتَيْنِ بِاعْتِبَارِ أَمْرِ رَبَطَ الْبَعْضَ بِالْبَعْضِ وَجَعَلَ الْمَجْمُوعَ شَيْئًا وَاحِدًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: يَعْنِي اسْمَ الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ النَّحْوُ مَثَلًا يُوضَعُ تَارَةً بِإِزَاءِ الْكَثْرَةِ الْعِلْمِيَّةِ وَبِاعْتِبَارِهِ يُقَالُ هُوَ عِلْمٌ بِأَحْوَالِ الْكَلِمِ إلَخْ، وَتَارَةً بِإِزَاءِ الْمَعْلُومَاتِ، وَهِيَ الْكَثْرَةُ لِلْمُتَعَلَّقَاتِ بِتِلْكَ الْإِدْرَاكَاتِ وَبِاعْتِبَارِهِ يُقَالُ فُلَانٌ يَعْلَمُ النَّحْوَ فَإِنَّ الْمَعْنَى يَعْلَمُ أَحْكَامَ الْكَلِمِ لَا يَعْلَمُ الْعِلْمَ بِأَحْكَامِ الْكَلِمِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُوضَعُ مَرَّةً لِهَذِهِ الْكَثْرَةِ وَلَا يُوضَعُ لِلْأُخْرَى، وَمَرَّةً يُوضَعُ لِلْأُخْرَى دُونَ هَذِهِ بَلْ كُلُّ اسْمٍ لِعِلْمٍ فَهُوَ مُشْتَرَكٌ فَرْغٌ مَنْ وَضْعِهِ لِكُلٍّ مِنْ الْكَثْرَتَيْنِ بِوَضْعَيْنِ بِدَلِيلِ أَنَّ كُلَّ اسْمِ عِلْمٍ يُسْتَعْمَلُ عَلَى النَّحْوَيْنِ.

(وَكَذَا) نَقُولُ اسْتِطْرَادًا (الْقَاعِدَةُ وَالْقَضِيَّةُ) يُقَالُ كُلٌّ مِنْهُمَا اصْطِلَاحًا لِكُلٍّ مِنْ الْمَعْلُومَاتِ الْمُتَعَلَّقِ بِهَا الْعُلُومُ الْكَائِنَةُ بِالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَبِهِ وَالنِّسْبَةِ، وَمِنْ الْعِلْمِ الْمُتَعَلَّقِ بِالنِّسْبَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَهِيَ الْمُسَمَّى بِالْحُكْمِ فَإِنَّ الْحَقَّ أَنَّ الْحُكْمَ مِنْ قَبِيلِ الْإِدْرَاكَاتِ فَهُوَ كَيْفٌ لَا فِعْلٌ لِلنَّفْسِ لِمَا ثَبَتَ أَنَّ الْأَفْكَارَ لَيْسَتْ مُوجِدَةً لِلنَّتَائِجِ بَلْ مُعَدَّاتٍ لِلنَّفْسِ لِقَبُولِ صُوَرِ النَّتَائِجِ الْعَقْلِيَّةِ عَنْ وَاهِبِهَا، وَهُوَ عِنْدَنَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. وَالنَّتِيجَةُ هِيَ الْعِلْمُ الثَّالِثُ بِشَيْءٍ وَلَيْسَ هُوَ إلَّا حُكْمًا بِأَنَّ كَذَا لِكَذَا فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلنَّفْسِ فِيهِ فِعْلٌ وَتَأْثِيرٌ كَانَ صُورَةً إدْرَاكِيَّةً مُفَاضَةً مِنْ الْوَهَّابِ جَلَّ جَلَالُهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْمُقَدَّمَتَيْنِ فَلَزِمَ أَنَّ الْحُكْمَ لَيْسَ فِعْلًا لَهَا كَذَا قَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قُلْت. وَمِنْ إطْلَاقِهِمَا مُرَادًا بِهِمَا الْإِدْرَاكُ إطْلَاقُ الْقَاعِدَةِ عَلَى الْحُكْمِ بِأَنَّ الْمَجَازَ خَيْرٌ مِنْ الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ، وَقَوْلُهُمْ الْقَضِيَّةُ إمَّا صَادِقَةٌ أَوْ كَاذِبَةٌ، وَمِنْ إطْلَاقِهِمَا مُرَادًا بِهِمَا الْمُدْرَكُ قَوْلُهُمْ الْقَاعِدَةُ قَضِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ كُبْرَى لِصُغْرَى سَهْلَةِ الْحُصُولِ وَالْقَضِيَّةُ قَوْلٌ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِقَائِلِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ فِيهِ أَوْ كَاذِبٌ ثُمَّ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَلَا رَيْبَ أَنَّ الْجَدِيرَ بِكُلِّ طَالِبِ عِلْمٍ أَنْ يَتَصَوَّرَهُ أَوَّلًا بِحَدِّهِ أَوْ رَسْمِهِ لِيَكُونَ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>