فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ بَيَانٌ لَهُ فَيَتْبَعُهُ فِي الْعُمُومِ وَعَدَمِهِ وَكَانَ هَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ يَصِيرُ عَامًّا تَبَعًا نَفَاهُ الْمُصَنِّفُ وَقَصَرَ الْعُمُومَ عَلَى الْمُجْمَلِ؛ لِأَنَّ النَّقْلَ لَمَّا كَانَ بِصِيغَةٍ لَيْسَتْ عَامَّةً لَا يَصِيرُ عَامًّا غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ عَدَمَ الْعَمَلِ بِذَلِكَ الْمُجْمَلِ زَالَ بِالْفِعْلِ الْمُبَيَّنِ مَثَلًا إذَا قَالَ الرَّاوِي قَطْعُ يَدِ السَّارِقِ مِنْ الْكُوعِ بَعْدَ اقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا فَهَذِهِ حِكَايَةُ فِعْلٍ بَعْدَ عُمُومٍ فِيهِ إجْمَالٌ فِي مَحَلِّ الْقَطْعِ عَلَى قَوْلٍ كَمَا تَقَدَّمَ أَوْ هُوَ بَيَانُ الْمُرَادِ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْإِجْمَالِ، وَأَنَّ الْيَدَ اسْمٌ لِمَا مِنْ الْمَنْكِبِ إلَى الْأَصَابِعِ، وَحَاصِلُهُ بَيَانُ مَجَازٍ أَوْ قَالَ صَلَّى فَقَامَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَهُوَ إجْمَالٌ فِي عَامٍّ فَفِي هَذَا وَنَحْوِهِ لَا يُفِيدُ تَكَرُّرُ الْفِعْلِ أَصْلًا وَلَكِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ أَوْقَعَ الصَّلَاةَ بِهَذِهِ الْأَفْعَالِ فَيَزُولُ ذَلِكَ الْإِجْمَالُ الْكَائِنُ فِيمَا تَعَلَّقَ بِالْعَامِّ فَيُمْكِنُ الْعَمَلُ بِعُمُومِهِ حِينَئِذٍ أَمَّا أَنَّ الْفِعْلَ صَارَ عَامًّا فَلَا وَلَا نَقَلَهُ (وَكَذَا نَحْوُ) قَوْلِ الرَّاوِي صَلَّى فَقَامَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ مَعَ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» فَإِنَّ الْعُمُومَ لِقَوْلِهِ صَلُّوا إلَخْ لَا لِصَلَّى فَقَامَ إلَخْ (وَتَوْجِيهُ الْمُخَالِفِ) الْقَائِلِ بِعُمُومِهِ لِلْأُمَّةِ (بِعُمُومِ نَحْوِ سَهَا فَسَجَدَ) أَيْ قَوْلُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِهِمْ فَسَهَا فِي صَلَاتِهِ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ «وَفَعَلْتُهُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاغْتَسَلْنَا» كَمَا هُوَ لَفْظُ عَائِشَةَ بَعْدَ قَوْلِهَا «إذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ وَجَبَ الْغُسْلُ» ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا حَتَّى كَانَ كُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ عَامًّا لِلْأُمَّةِ (مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ) أَيْ الْعُمُومَ لَهُمْ (مِنْ خَارِجٍ) عَنْ مَفْهُومِ اللَّفْظِ الْمَحْكِيِّ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ السَّلَامِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ قَالَ الْآمِدِيُّ وَلِعُمُومِ السُّجُودِ جَوَابٌ خَاصٌّ، وَهُوَ إنَّمَا عَمَّ لِعُمُومِ الْعِلَّةِ، وَهُوَ السَّهْوُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ رَتَّبَ السُّجُودَ عَلَى السَّهْوِ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ، وَهُوَ دَلِيلُ الْعِلِّيَّةِ (وَأَمَّا حِكَايَةُ قَوْلٍ لَهُ) أَيْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لَا يُدْرَى عُمُومُهُ بِلَفْظٍ عَامٍّ) ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِحِكَايَةٍ «كَقَضَى بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ» ) كَمَا أَسْنَدَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ إلَى جَابِرٍ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنُ الْإِسْنَادِ وَلَكِنَّهُ شَاذُّ الْمَتْنِ «وَنَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» ) كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
(وَهِيَ) أَيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ (مَسْأَلَةٌ أُخْرَى) ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ (فَيَجِبُ) (الْحَمْلُ) لِلَّفْظِ الْمَحْكِيِّ عَنْهُ (عَلَى الْعُمُومِ) فَتَكُونُ الشُّفْعَةُ لِكُلِّ جَارٍ، وَالنَّهْيُ عَنْ كُلِّ بَيْعٍ فِيهِ غَرَرٌ كَبَيْعِ الْآبِقِ وَالْمَعْدُومِ (خِلَافًا لِلْكَثِيرِ) ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ (لِأَنَّهُ) أَيْ الصَّحَابِيَّ (عَدْلٌ عَارِفٌ بِاللُّغَةِ وَالْمَعْنَى) عُمُومًا وَخُصُوصًا (فَالظَّاهِرُ الْمُطَابَقَةُ) بَيْنَ نَقْلِهِ وَمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْ ذَلِكَ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْكَثِيرِ (يَحْتَمِلُ غَرَرًا وَجَارًا خَاصَّيْنِ كَجَارِ شَرِيكٍ فَاجْتَهَدَ فِي الْعُمُومِ فَحَكَاهُ أَوْ أَخْطَأَ فِيمَا سَمِعَهُ احْتِمَالٌ لَا يَقْدَحُ) ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ عِلْمِهِ وَعَدَالَتِهِ، وَالظَّاهِرُ لَا يُتْرَكُ لِلِاحْتِمَالِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَتِهِ فَيُؤَدِّي إلَى تَرْكِ كُلِّ ظَاهِرٍ (وَجَعْلُهُمَا) أَيْ «قَضَى بِالشُّفْعَةِ» «وَنَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» (مِنْ حِكَايَةِ فِعْلٍ ظَاهِرٍ فِي الْعُمُومِ) كَمَا تَنَزَّلَ إلَيْهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (مُنْتَفٍ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَالنَّهْيَ قَوْلٌ يَكُونُ مَعَهُ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ) وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَضَى حِكَايَةُ قَوْلِهِ الَّذِي هُوَ الْقَضَاءُ وَنَهَى حِكَايَةُ قَوْلِهِ الَّذِي هُوَ النَّهْيُ.
(مَسْأَلَةٌ قِيلَ) وَالْقَائِلُ ابْنُ الْحَاجِبِ: (نَفْيُ الْمُسَاوَاةِ فِي {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر: ٢٠] يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ) لِجَمِيعِ وُجُوهِ الْمُسَاوَاةِ (خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَلَيْسَ) كَذَلِكَ (بَلْ لَا يَخْتَلِفُ فِي دَلَالَتِهِ) أَيْ نَفْيِ الِاسْتِوَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute